SlideShare una empresa de Scribd logo
1 de 276
‫1‬
                                              ‫تفسير المنير‬
                        ‫الكتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن مجيد‬
           ‫المؤلف : محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما ، التناري بلدا‬




                                       ‫الناشر: دار الكتب العلمية‬
              ‫مكان الطبع : بيروت .سنة الطبع : 7141 ق.عدد الجزاء : 2‬
           ‫تحقيق : محمد أمين الصناوى ) ترقيم الشاملة موافق للمطبوع (‬

                                                                                                 ‫)الجزء الول (‬
                                                                                   ‫بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‬
                                                                                                          ‫المقدمة‬
 ‫الحمد للّه رب العالمين ، الذي أنزل كتابه المبين على رسوله محمد المين صلّى اللّه‬
  ‫عليه وسلّم ، فشرح به الصدور وأمّن به القلوب من الخوف إل من غضبه عزّ وجلّ ،‬
                                   ‫ونوّر به بصائر الصالحين والعارفين وجعله هداية للعالمين.‬
 ‫أما بعد ، فالعلم نور والجهل ضللة ، وخير العلوم علم الدين والتفسير ، فهو يبيّن ما‬
‫اشتملت عليه الحكام اللهية من السرار والبدائع ، لذا علينا إخواني أن نأتمر بما أمرنا‬
   ‫اللّه به من تعلّم قراءة وتفسير وفهم كتاب اللّه المنزّل إلينا وتعليمه وتفهيمه ، وهو‬
 ‫القائل سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَما نَزَلَ مِنَ‬
‫الْحَقّ وَل يَكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ‬
                                    ‫ْ‬                      ‫ْ‬
 ‫مِنْهُمْ فاسِقُونَ )61( اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يُحْيِ الَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيّنّا لكُمُ الياتِ لعَلّكُمْ‬
         ‫َ‬     ‫ْ‬      ‫َ‬                                   ‫ْ‬
   ‫تَعْقِلُونَ )71( ]الحديد : 61 ، 71[ ، ففي هذه اليات الكريمة تنبيه من اللّه عزّ وجلّ‬
 ‫على أنه كما يحيي الرض بعد موتها كذلك يليّن القلوب ويذهب قسوتها ويبعدها عن‬
 ‫المعاصي والذنوب باليمان الحقّ ، واللّه خير المرتجى أن يفعل بنا ما يريد إنه عزيز‬
‫2‬

‫كريم. فقد عملت على ضبط نص هذا الكتاب »مراح لبيد« ، المؤلّف من جزءين ، الذي‬
     ‫أتمنّى أن أكون بعملي هذا قد وفّقت إلى ما أصبو إليه من إيضاح وضبط وتعميم‬
‫للفائدة المرتجاة. راجيا من المولى عزّ وجلّ العفو والمغفرة عمّا به قد أكون قصّرت ،‬
‫ومنك عزيزي القارئ التّفهّم الكامل وجبر العثرات ، إذ إن الكمال للّه وحده ، والعصمة‬
                                                    ‫محمد أمين الضنّاوي‬   ‫للنبياء.‬

                                                          ‫ترجمة المؤ ل ّف » 1 «‬
   ‫هو محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما ، التناري بلدا ، مفسّر ، متصوّف ، من‬
‫فقهاء الشافعية. هاجر إلى مكّة المكرّمة وتوفي بها سنة 6131 ه ، عرّفه »تيمور« ب‬
                                          ‫»عالم الحجاز« ، له مصنّفات كثيرة منها :‬
                  ‫- »مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد« مجلدان ، وهو تفسيره.‬
     ‫- »مراقي العبودية« ، شرح لبداية الهداية للغزالي ، فرغ من تأليفه سنة 9821 ه.‬
                                   ‫- »وقائع الطغيان على منظومة شعب اليمان«.‬
                                       ‫- »قطر الغيث في شرح مسائل أبي الليث«.‬
                                        ‫- »عقود اللّجين في بيان حقوق الزوجين«.‬
                                           ‫- »نهاية الزين بشرح قرّة العين« ، فقه.‬
                                                   ‫- »شرح فتح الرحمن« ، تجويد.‬
                ‫- »نور الظلم« في شرح قصيدة »عقيدة العوام« لحمد المرزوقي.‬
 ‫- »مرقاة صعود التصديق« ، تصوّف ، في شرح »سلّم التوفيق« لبن طاهر المتوفى‬
                                                                   ‫سنة 2721 ه.‬
                ‫- »كاشفة السجا ، في شرح سفينة النجا« ، في أصول الدين والفقه.‬
                                    ‫)1( العلم ، خير الدين الزركلي/ ج 6 ص 813.‬

                                                                 ‫خطبة المؤلف‬
                                                         ‫بسم اللّه الرحمن الرحيم‬
‫الحمد للّه الذي تواضع كل شيء لعظمته ، وذلّ كل شيء لعزّته ، واستسلم كل شيء‬
   ‫لقدرته ، وخضع كل شيء لملكه ، فسبحان اللّه شارع الحكام ، المميز بين الحلل‬
‫3‬

   ‫والحرام ، أحمده على ما فتح من غوامض العلوم بإخراج الفهام ، والصلة والسلم‬
‫على سيدنا محمد الذي أزال بيانه كل إبهام ، وعلى آله وأصحابه أولي المناقب والحلم‬
                                              ‫صلة وسلما دائمين ما دامت اليام. أما بعد ،‬

       ‫فيقول أحقر الورى محمد نووي : قد أمرني بعض العزة عندي أن أكتب تفسيرا‬
‫للقرآن المجيد فترددت في ذلك زمانا طويل خوفا من الدخول في قوله صلّى اللّه عليه‬
                     ‫وسلّم : »من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ« . »1« وفي‬
 ‫قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : »من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار« »2«.‬
‫فأجبتهم إلى ذلك للقتداء بالسلف في تدوين العلم إبقاء على الخلق وليس على فعلي‬
      ‫مزيد ولكن لكل زمان تجديد ، وليكون ذلك عونا لي وللقاصرين مثلي وأخذته من‬
   ‫الفتوحات اللهية ومن مفاتيح الغيب ومن السراج المنير ، ومن تنوير المقباس ، ومن‬
       ‫تفسير أبي السعود. وسميته مع الموافقة لتاريخه »مراح لبيد لكشف معنى قرآن‬
  ‫مجيد« ، وعلى الكريم الفتّاح اعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي. والن أشرع بحسن‬
  ‫توفيقه وهو المعين لكل من لجأ به. )1( رواه أبو داود في كتاب العلم ، باب : الكلم‬
   ‫في كتاب اللّه بغير علم ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب : 1. وعند أبي داود بلفظ‬
     ‫»كتاب اللّه عز وجل« بدل »القرآن«.)2( رواه الترمذي في كتاب التفسير ، ترجمة ،‬
                                                                  ‫وأحمد في )م 1/ ص 332(.‬

                                                                                ‫سورة الفاتحة‬
  ‫مكية ، سبع آيات ، تسع وعشرون كلمة ، مائة وثلثة وأربعون حرفا بسم اللّه الرحمن‬
    ‫الرحيم والسابعة : صِراطَ الّذِينَ إلى آخرها إن كانت البسملة منها وإن لم تكن منها‬
                                                                                       ‫فالسابعة :‬
         ‫غَيْرِ الْمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ إلى آخرها ، وهي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم :‬
                                                                            ‫ْ‬
‫أحدها : علم الصول وقد جمعت اللهيات في : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعالَمِينَ الرّحْمنِ الرّحِيمِ‬
     ‫والنبوات في : الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَليْهِمْ والدار الخرة في مالِكِ يَوْمِ الدّينِ وثانيها : علم‬
                                                               ‫َ‬
   ‫الفروع وأعظمه العبادات ، وهي مالية وبدنية وهما مفتقرتان إلى أمور المعاش من‬
         ‫المعاملت والمناكحات ، ول بدّ لها من الحكام التي تقتضيها الوامر والنواهي.‬
  ‫وثالثها : علم تحصيل الكمالت وهو علم الخلق ومنه الستقامة في الطريقة ، وإلى‬
‫4‬

  ‫ذلك الشارة بقوله : وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ. وقد جمعت الشريعة كلها في الصّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.‬
     ‫ورابعها : علم القصص والخبار عن المم الخالية وقد جمعت السعداء من النبياء‬
‫وغيرهم في : الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والشقياء من الكفار في : غَيْرِ الْمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَل‬
‫َ‬                   ‫ْ‬
                                                                                               ‫الضّالّينَ.‬
      ‫بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ )1( الباء : بهاء اللّه والسين سناؤه فل شيء أعلى منه ،‬
     ‫والميم : ملكه وهو على كل شيء قدير. والباء : ابتداء اسمه بارئ بصير. والسين :‬
‫ابتداء اسمه سميع. والميم : ابتداء اسمه مجيد مليك. واللف : ابتداء اسمه اللّه. واللم :‬
   ‫ابتداء اسمه لطيف. والهاء : ابتداء اسمه هادي. والراء : ابتداء اسمه رزاق. والحاء :‬
         ‫ابتداء اسمه حليم. والنون : ابتداء اسمه نافع ونور. الْحَمْدُ لِلّهِ والشكر للّه بنعمه‬
 ‫السوابغ على عباده الذين هداهم لليمان. رَبّ الْعالَمِينَ )2( أي خالق الخلق ورازقهم‬
     ‫ومحوّلهم من حال إلى حال. الرّحْمنِ أي العاطف على البار والفاجر بالرزق ودفع‬
  ‫الفات عنهم. الرّحِيمِ )3( أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ويرحمهم في الخرة‬
    ‫فيدخلهم الجنة. مالِكِ يَوْمِ الدّينِ )4( بإثبات اللف عند عاصم والكسائي ويعقوب أي‬
                                                                ‫متصرف في المر كله يوم القيامة‬

   ‫كما قال تعالى : يوْمَ ل تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا وَالَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ ]النفطار : 91[ وعند‬
                                              ‫ْ‬                                          ‫َ‬
‫الباقين بحذف اللف والمعنى أي المتصرف في أمر القيامة بالمر والنهي. إِيّاكَ نعْبُدُ أي‬
         ‫َ‬
       ‫ل نعبد أحدا سواك. وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ )5( أي بك نستعين على عبادتك فل حول عن‬
‫المعصية إل بعصمتك ول قوة على الطاعة إل بتوفيقك. اهْدِنَا الصّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )6( أي‬
 ‫زدنا هداية إلى دين السلم ، أو المعنى أدمنا مهديين إليه. صِراطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‬
     ‫أي دين الذين مننت عليهم بالدين من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين. غَيْرِ‬
 ‫الْمَغضُوبِ أي غير دين اليهود الذي غضبت علَيْهِمْ وَل الضّالّينَ )7( أي غير دين النصارى‬
                                   ‫َ‬           ‫َ‬                                  ‫ْ‬
           ‫الذين ضلوا عن السلم ويقال : المغضوب عليهم هم الكفار ، والضالون هم‬
      ‫المنافقون لن اللّه تعالى ذكر المؤمنين في أول البقرة في أربع آيات ثم ثنّى بذكر‬
‫الكفار في آيتين ، ثم ثلّث بذكر المنافقين في ثلث عشرة آية. ويسنّ للقارئ بعد فراغه‬
                   ‫من الفاتحة أن يقول : آمين وهو اسم بمعنى فعل أمر ، وهو استجب.‬
‫5‬

                                                                                        ‫سورة البقرة‬
      ‫مدنية ، مائتان وست وثمانون آية ، ستة آلف ومائة وأربع و أربعون كلمة ، ستة‬
                                                 ‫وعشرون ألفا ومائتان و واحد وخمسون حرفا‬
‫الم )1( قال الشعبي وجماعة : الم وسائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه‬
‫الذي انفرد اللّه بعلمه ، وهي سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها ونفوّض العلم فيها إلى‬
     ‫اللّه تعالى ، وفائدة ذكرها طلب اليمان بها ، واللّه تعالى اختص بعلم ل تقدر عليه‬
   ‫عقول النبياء ، والنبياء اختصوا بعلم ل تقدر عليه عقول العلماء ، والعلماء اختصوا‬
‫بعلم ل تقدر عليه عقول العامة. وقال أبو بكر رضي اللّه عنه : في كل كتاب سر ، وسر‬
 ‫اللّه في القرآن أوائل السور. ذلِكَ الكِتابُ ل رَيْبَ فِيهِ أي هذا الكتاب الذي يقرؤه عليكم‬
                                                     ‫ْ‬
     ‫رسولي محمد ل شك في أنه من عندي ، فإن آمنتم به هديتكم ، وإن لم تؤمنوا به‬
  ‫عذبتكم. هُدىً لِلْمُتّقِينَ )2( أي رحمة لمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. الّذِينَ يُؤْمنُونَ‬
       ‫ِ‬
      ‫بِالغَيْبِ أي يصدقون بما غاب عنهم من الجنة والنار ، والصراط والميزان ، والبعث‬
                                                                               ‫ْ‬
                                                                                 ‫والحساب وغير ذلك.‬
  ‫وقيل : المراد بالغيب القلب. والمعنى يؤمنون بقلوبهم ل كالذين يقولون بأفواههم ما‬
     ‫ليس في قلوبهم. وَيُقِيمُونَ الصّلةَ أي يتمون الصلوات الخمس بالشروط والركان‬
                                                                                                ‫والهيئات.‬
 ‫وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ )3( أي مما أعطيناهم من الموال يتصدقون لطاعة اللّه تعالى‬
 ‫وهو أبو بكر الصديق وأصحابه. وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِليْكَ من القرآن وَما أُنْزِلَ منْ‬
   ‫ِ‬                             ‫َ‬
  ‫قَبْلِكَ على سائر النبياء من التوراة والنجيل والزبور وغيرها من سائر الكتب السابقة‬
‫على القرآن وَبِالخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )4( أي وهم يصدقون بما في الخرة من البعث بعد‬
                                                                  ‫ْ‬
    ‫الموت والحساب ونعيم الجنة وهو عبد اللّه بن سلم وأصحابه. أُولئِكَ أي أهل هذه‬
  ‫الصفة عَلى هُدىً أي كرامة نزل مِنْ رَبّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )5( أي الناجون من‬
      ‫السخط والعذاب وهم أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ‬
‫عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ل يؤْمِنُونَ )6( أي الذين كفروا في علم اللّه متساو لديهم‬
                                                     ‫ُ‬
‫إنذارك إياهم بالقرآن وعدمه وهم ل يريدون أن يؤمنوا بما جئت به فل تطمع يا أشرف‬
      ‫الخلق في إيمانهم ، ثم ذكر اللّه سبب تركهم اليمان بقوله تعالى : خَتَمَ اللّهُ عَلى‬
‫6‬

    ‫قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ أي طبع اللّه على قلوبهم فل يدخلها إيمان وعلى سمعهم فل‬
                                                                         ‫ينتفعون بما يسمعونه‬

   ‫من الحق ووحّد السمع لوحدة المسموع وهو الصوت. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مبتدأ‬
‫وخبر أي على أعينهم غطاء من عند اللّه تعالى فل ينصرون الحق. وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ )‬
     ‫7( أي شديد في الخرة وهم رؤساء اليهود الذين وصفهم اللّه بأنهم يكتمون الحق‬
   ‫وهم يعلمون ، وهم كعب بن الشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب ، ويقال :‬
 ‫هم مشركو أهل مكة عتبة وشيبة والوليد بن المغيرة وأبو جهل. وَمِنَ النّاسِ منْ يَقُولُ‬
           ‫َ‬
‫آمَنّا في السر بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الخِرِ أي بالبعث بعد الموت الذي فيه جزاء العمال. وَما هُمْ‬
                                                        ‫ْ‬
  ‫بِمُؤْمِنِينَ )8( في السر يُخادِعُونَ اللّهَ أي يكذبونه في السر وَالّذِينَ آمَنُوا أبا بكر وسائر‬
‫أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وَما يَخْدَعُونَ أي يكذبون إ ِل أَنْفُسهُمْ وهذه الجملة‬
                ‫َ‬       ‫ّ‬
    ‫حال من ضمير يخادعون أي يفعلون ذلك ، والحال أنهم ما يضرون بذلك إل أنفسهم‬
                                                           ‫فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم.‬
  ‫وقرأ عاصم وابن عامر ، وحمزة والكسائي »وما يخدعون« بفتح الياء وسكون الخاء‬
  ‫وفتح الدال ، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الخاء مع المد وكسر الدال ، ول خلف في‬
    ‫قوله : »يخادعون اللّه« فالجميع قرءوا بضم الياء وفتح الخاء وباللف بعدها وكسر‬
  ‫الدال ، وأما الرسم فبغير ألف في الموضعين وَما يَشْعرُونَ )9( أن اللّه يطلع نبيه على‬
                                  ‫ُ‬
‫كذبهم. فِي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ أي شك وظلمة فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضا مرضا أي شكا وظلمة بما‬
                                                             ‫َ‬
 ‫أنزله من القرآن لنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكا وخلفا. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي‬
                             ‫وجيع في الخرة يخلص وجعه إلى قلوبهم بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‬

   ‫قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد ، أي بتكذيبهم النبي صلّى اللّه عليه‬
         ‫وسلّم ، وقرأ الباقون بتخفيف الذال أي بكذبهم في قولهم : آمنا في السر وهم‬
                              ‫المنافقون عبد اللّه بن أبي وجد بن قيس ومعتب ابن قشير.‬
      ‫وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي لهؤلء المنافقين : ل تُفْسِدُوا فِي الَرْضِ بتعويق الناس عن دين‬
                               ‫ْ‬
        ‫محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قالُوا إِنّما نَحنُ مصْلِحُونَ )11( وإنما قالوا ذلك لنهم‬
                                           ‫ْ ُ‬
   ‫تصوّروا الفساد بصورة الصلح لما في قلوبهم من المرض قال اللّه تعالى ردا عليهم‬
‫7‬

     ‫أبلغ رد أَل أي بلى إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ لها بالتعويق وَلكِنْ ل يَشْعُرُونَ )21( أن اللّه‬
         ‫تعالى يطلع نبيه على فسادهم. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم‬
                                    ‫والقرآن أي إن المؤمنين نصحوا المنافقون من وجهين :‬
                                      ‫أحدهما : النهي عن الفساد وهو التخلي عن الرذائل.‬
         ‫وثانيهما : المر باليمان وهو التحلي بالفضائل كَما آمَنَ النّاسُ أي الكاملون في‬
      ‫النسانية ، العاملون بقضية العقل كأصحاب النبي أو كعبد اللّه بن سلم وغيره من‬
‫مؤمني أهل الكتاب. والمعنى آمنوا إيمانا مقرونا بالخلص متمحضا عن شوائب النفاق‬
       ‫مماثل ليمانهم قالُوا فيما بينهم ل بحضرة المسلمين أَنؤْمِنُ بمحمد صلّى اللّه عليه‬
                                   ‫ُ‬
                                                            ‫وسلّم كَما آمنَ السّفَهاءُ أي الجهال‬
                                                                                   ‫َ‬

 ‫وإنما سفّهوا المؤمنين لتحقير شأنهم ، لن أكثرهم فقراء وبعضهم موال كصهيب وبلل‬
    ‫أو لعدم المبالة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد اللّه بن سلم وأصحابه قال اللّه‬
       ‫تعالى ردا عليهم أبلغ رد أَل أي بلى إِنهُمْ هُمُ السّفَهاءُ أي الجهال الخرقى وَلكِنْ ل‬
                                                      ‫ّ‬
‫يَعْلَمُونَ )31( أنهم سفهاء وَإِذا لَقُوا أي المنافقون الّذِينَ آمَنُوا أبا بكر وأصحابه قالُوا آمَنّا‬
  ‫في السر كإيمانكم وَإِذا خَلوْا أي عادوا إِلى شَياطِينِهِمْ أي أكابرهم الذين يقدرون على‬
                                                             ‫َ‬
‫الفساد في الرض وهم خمسة نفر : كعب بن الشرف من اليهود بالمدينة ، وأبو بردة‬
    ‫في بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد اللّه بن‬
                                                                                   ‫السود بالشام.‬
    ‫قالُوا لهم لئل يتوهموا فيهم المباينة إِنّا مَعَكُمْ أي على دينكم في السر إِنّما نَحْنُ في‬
 ‫إظهار اليمان عند المؤمنين مُسْتَهْزِؤُنَ )41( بهم من غير أن يخطر ببالنا اليمان حقيقة‬
    ‫اللّهُ يَسْتَهزِئُ بِهِمْ أي اللّه يعاملهم معاملة المستهزئ في الدنيا وفي الخرة ، أما في‬
                                                                             ‫ْ‬
      ‫الدنيا فلنه تعالى أطلع الرسول على أسرارهم مع أنهم كانوا يبالغون في إخفائها‬
 ‫عنه ، وأما في الخرة فقال ابن عباس : إذا دخل المؤمنون الجنة والكافرون النار فتح‬
      ‫اللّه من الجنة بابا على الجحيم في الموضع الذي هو مسكن المنافقين ، فإذا رأى‬
‫المنافقون الباب مفتوحا خرجوا من الجحيم ويتوجهون إلى الجنة ، وأهل الجنة ينظرون‬
      ‫إليهم فإذا وصلوا إلى باب الجنة سدّ عليهم الباب ، وذلك قوله تعالى : فَالْيوْمَ الّذِينَ‬
                   ‫َ‬
     ‫آمَنُوا منَ الْكُفّارِ يضْحَكُونَ ]المطففين : 92[ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ أي يزيدهم في‬
                                                                         ‫َ‬              ‫ِ‬
‫8‬

      ‫ضللتهم يعْمَهُونَ )51( أي يترددون في الكفر وتركه متحيّرين أُولئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا‬
                                                                                    ‫َ‬
 ‫الضّللَةَ بِالْهُدى أي أولئك الموصوفون بالصفات السابقة من قوله : ومن النّاس اختاروا‬
‫الكفر على اليمان فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أي فلم يربحوا في تجارتهم بل خسروا وَما كانُوا‬
       ‫مُهْتَدِينَ )61( إلى طرق التجارة ، فإن المقصود منها سلمة رأس المال والربح ،‬
                                                                   ‫وهؤلء قد أضاعوهما.‬
     ‫فرأس مالهم العقل الصرف ، وربحه الهدى مثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ نارا أي صفة‬
                     ‫ْ‬                              ‫َ‬
  ‫المنافقين في حال نفاقهم كصفة الذي أوقد نارا في ظلمة لكي يأمن بها على نفسه‬
 ‫وأهله وماله ، فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ أي فلما أضاءت النار المكان الذي حول المستوقد‬
   ‫فأبصر وأمن مما يخافه ذهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ أي أطفأ اللّه النور المقصود باليقاد فبقي‬
                                                                   ‫َ‬
     ‫المستوقدون في ظلمة وخوف ، وَتَرَكَهُمْ أي المستوقدين فِي ظُلُماتٍ ظلمة الليل ،‬
    ‫وظلمة تراكم الغمام فيه ، وظلمة انطفاء النار ل يُبْصرُونَ )71( ما حولهم ، فكذلك‬
                               ‫ِ‬
   ‫هؤلء المنافقون أمنوا على أنفسهم وأولدهم وأموالهم بسبب إظهار كلمة اليمان ،‬
        ‫فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب وهم في القبر وما بعده صُمّ عن الحق فل‬
    ‫يسمعونه سماع قبول بُكْمٌ عن الخير فل يقولونه قول مطابقا للواقع لما سبق أنهم‬
‫مؤمنون ظاهرا عُميٌ عن طريق الهدى فل يرونه رؤية نافعة فَهُمْ ل يَرْجِعُونَ )81( عن‬
                                                                 ‫ْ‬
‫كفرهم وضللتهم أَوْ كَصَيّبٍ أو صفة المنافقين كصفة أصحاب مطر نازل منَ السّماءِ أي‬
              ‫ِ‬
                                                                         ‫السحاب ليل وهم‬

‫في مفازة فِيهِ أي الصيب ظُلُماتٌ ظلمة تكاثفه بتتابع القطر ، وظلمة إظلل الغمامة مع‬
     ‫ظلمة الليل. وَرَعْدٌ وهو صوت يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب إذا‬
‫أخذتها الريح فتصوت عند ذلك من الرتعاد وَبَرْقٌ وهو ما يلمع من السحاب. يَجعَلُونَ أي‬
          ‫ْ‬
   ‫أصحاب الصيب أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصّواعِقِ أي من أجل الصيحة الشديدة من‬
‫صوت الرعد يكون معها قطعة نار حَذَرَ الْموْتِ من سماعها فكذلك هؤلء المنافقون إذا‬
                                       ‫َ‬
 ‫نزل القرآن المشبّه بالمطر في أن كل سبب الحياة ، وفيه ذكر الكفر المشبّه بالظلمات‬
    ‫وعدم الهتداء ، وذكر الوعيد على الكفر المشبه بالرعد في إزعاجه وإرهابه ، وذكر‬
                                                ‫الحجج البيّنة المشبّهة بالبرق في ظهوره.‬
‫يسدون آذانهم من سماع القرآن حذر الميل إلى اليمان الذي هو بمنزلة الموت عندهم‬
‫9‬

 ‫، فإن ترك الدين موت وَاللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ )91( علما وقدرة فل يفوتونه تعالى لن‬
  ‫المحاط ل يفوت المحيط يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلّما أَضاءَ أي البرق لَهُمْ مَشَوْا‬
‫فِيهِ أي في ضوء البرق وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي بقوا في الظلمة ، وهذا تمثيل لزعاج‬
   ‫ما في القرآن قلوبهم باختطاف البرق بأبصارهم ولتصديقهم لما يحبونه من تحصيل‬
       ‫الغنيمة وعصمة الدماء والموال بمشيهم في البرق ، ولوقوفهم لما يكرهون من‬
                            ‫التكاليف الشاقة عليهم كالصلة والصوم بوقوفهم في الظلمة.‬
 ‫وَلَوْ شاءَ اللّهُ أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ بقصيف الرعد وَأَبْصارِهِمْ‬
‫بوميض البرق ، كذلك لو شاء اللّه لذهب بسمع المنافقين بزجر ما في القرآن ووعيد ما‬
 ‫فيه وأبصارهم بالبيان إِنّ اللّهَ عَلى كُلّ شيْءٍ أي ممكن من ذهاب السمع والبصر قَدِيرٌ‬
                                          ‫َ‬
                                                                                             ‫)02(.‬
‫قال الفخر الرازي : وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه ، وإما غير متعد‬
      ‫بمعنى كلما لمع لهم مشوا فيه بطرح نوره ويقويه قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء.‬
    ‫يا أَيّهَا النّاسُ أي يا أهل مكة أو يا أيها اليهود اعْبُدُوا رَبّكُمُ أي وحّدوه بالعبادة. الّذِي‬
‫خَلَقَكُمْ نسما من النطفة وَالّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ أي أنشأهم ولم يكونوا شيئا لَعَلكُمْ تَتّقُونَ )‬
                ‫ّ‬                                   ‫ِ‬
  ‫12( أي لكي تتقوا السخط والعذاب بعبادته ، ولعل للطماع ، لكن الكريم الرحيم إذا‬
     ‫أطمع أجرى أطماعه مجرى وعده المحتوم ، فلهذا السبب قيل : لعل في كلم اللّه‬
     ‫تعالى بمعنى كي الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَرْضَ فِراشا أي بساطا وَالسّماءَ بِناءً أي سقفا‬
                                                    ‫ْ‬
   ‫مرفوعا وعبّر عنه بالبناء لحكامه وَأَنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً وعن خالد بن معدان قال :‬
‫المطر ماء يخرج من تحت العرش ، فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء‬
   ‫الدنيا ، فيجتمع في موضع ، فتجيء السحاب السود فتدخله ، فتشربه ، فيسوقها اللّه‬
      ‫حيث شاء. فأَخْرَجَ بِهِ منَ الثّمَراتِ رِزْقا لَكُمْ أي أنبت اللّه بالمطر من ألوان الثمرات‬
                                                                       ‫ِ‬              ‫َ‬
  ‫طعاما لكم ولسائر الخلق فَل تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدادا أي شركاء في العبادة وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )‬
   ‫22( أن النداد ل تماثله ول تقدر على مثل ما يفعله أو يقال : وأنتم تعلمون أنه ليس‬
   ‫في التوراة والنجيل جواز اتخاذ النداد وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزلْنا عَلى عَبْدِنا محمد‬
                          ‫ّ‬
                                                                          ‫من القرآن في أنه من‬
‫01‬

   ‫عند نفسه فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي مما هو على صفة ما نزلنا في الفصاحة وحسن‬
    ‫النظم والخبار بالغيوب. وَادعُوا شُهَداءَكُمْ منْ دُونِ اللّهِ أي ادعوا أكابركم من غيره‬
                                            ‫ِ‬                  ‫ْ‬
      ‫تعالى ممن يوافقكم في إنكار أمر محمد ليعينوكم على المعارضة وليحكموا لكم‬
   ‫وعليكم فيما يمكن ويتعذر ، وقد كان في العرب أكابر يشهدون على المتنازعين في‬
    ‫الفصاحة بأن أحدهما أعلى درجة من الخر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )32( في مقالتكم أن‬
    ‫محمدا يقول من تلقاء نفسه فإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي لم تأتوا بسورة من مثل المنزل وَلَنْ‬
                                                               ‫َ‬
          ‫تَفْعَلُوا أي لن تقدروا أن تجيئوا بمثله فَاتّقُوا النّارَ والمعنى إذا ظهر عجزكم عن‬
   ‫المعارضة صحّ عندكم صدق محمد عليه السلم ، وإذا صح ذلك فاتركوا العناد ، وإذا‬
   ‫لزمتم العناد استوجبتم العقاب بالنار الّتِي وقُودُهَا النّاسُ أي حطبها الكفار وَالْحِجارَةُ‬
                                                 ‫َ‬
     ‫المعبودة لهم. قال تعالى : إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم. أُعِدّتْ أي‬
‫هيئت تلك النار لِلْكافرِينَ )42( بما نزّلناه وجعلت عدة لعذابهم وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬
                                                                             ‫ِ‬
‫الصّالِحاتِ أي الطاعات أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ أي بساتين ذات شجر ومساكن والمأمور بالبشارة‬
   ‫إما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وإما كل أحد يقدر على البشارة ، وهذا أحسن‬
                                                                                               ‫كما‬
   ‫قال صلّى اللّه عليه وسلّم : »بشّر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم‬
                                                                                         ‫القيامة«‬
                                     ‫»1« ولم يأمر صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك واحدا بعينه.‬
‫وقرأ زيد بن علي »وبشّر« بلفظ المبني للمفعول عطفا على »أعدت«. تَجرِي منْ تَحْتِهَا‬
            ‫ِ‬    ‫ْ‬
      ‫أي من تحت شجرها ومساكنها الَنْهارُ أي أنهار الخمر واللبن والعسل والماء وعن‬
                                                     ‫ْ‬
   ‫مسروق أنهار الجنة تجري في غير أخدود كُلّما رُزِقُوا مِنْها منْ ثَمَرَةٍ رِزْقا أي كل حين‬
                               ‫ِ‬
‫رزقوا مرزوقا من الجنات من نوع ثمرة قالُوا هذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبلُ أي هذا مثل الذي‬
                  ‫ْ‬
  ‫أطعمنا في الجنة من قبل هذا الذي أحضر إلينا قال تعالى تصديقا في تلك الدعوى :‬
‫وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِها أي أتتهم الملئكة والولدان برزق الجنة متشابها بعضه بعضا في اللون‬
‫مختلفا في الطعم وَلهُمْ فِيها أي الجنات أَزْواجٌ من الحور والدميات مُطَهّرَةٌ من الحيض‬
                                                                   ‫َ‬
 ‫وجميع القذار ، ومن دنس الطبع وسوء الخلق وَهُمْ فِيها خالِدُونَ )52( أي دائمون ل‬
   ‫يموتون ول يخرجون إِنّ اللّهَ ل يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثَل ما أي إن اللّه ل يترك أن يبين‬
                                 ‫َ ً‬
‫11‬

‫للخلق مثل أيّ مثل كان بَعُوضَةً فَما فوْقَها في الذات كالذباب والعنكبوت أو في الغرض‬
                                             ‫َ‬
      ‫المقصود من التمثيل كجناح البعوضة ، وكيف يستحي اللّه من ذكر شيء لو اجتمع‬
                         ‫الخلئق كلهم على تخليقه وما قدروا عليه. والمراد بالبعوضة هنا :‬
     ‫»الناموس« وهو من عجيب خلق اللّه تعالى فإنه في غاية الصغر ، وله ستة أرجل‬
     ‫وأربعة أجنحة ، وذنب وخرطوم مجوف ، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد‬
   ‫الفيل والجاموس ، والجمل فيبلغ منه الغاية ، حتى إن الجمل يموت من قرصته. فَأَمّا‬
                                                                        ‫الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ أي‬
                                                                                           ‫__________‬
     ‫)1( رواه الهيثمي في مجمع الزوائد )2 : 03( ، والطبراني في المعجم الكبير )21 :‬
                                                                                                      ‫853(.‬

  ‫ضرب المثل الْحقّ أي الثابت مِنْ رَبّهِمْ فل يسوغ إنكاره لنه ليس عبثا بل هو مشتمل‬
                                                                    ‫َ‬
‫على السرار والفوائد وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُوا من اليهود فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَل تمييز‬
      ‫ً‬
‫نسبة من اسم الشارة. أي أيّ فائدة في هذا المثل قال اللّه تعالى في جوابهم : يُضلّ‬
  ‫ِ‬
‫بِهِ أي بهذا المثل عن الدين كَثِيرا من اليهود وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرا من المؤمنين وَما يُضلّ بِهِ إ ِل‬
‫ّ‬           ‫ِ‬
       ‫الْفاسِقِينَ )62( أي الخارجين عن حد اليمان. الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ هو الحجة‬
 ‫القائمة على عباده الدالة على وجوب وجوده ووحدانيته وعلى وجوب صدق رسله مِنْ‬
 ‫بَعْدِ مِيثاقِهِ أي توكيده وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصلَ فاللّه أمرهم أن يصلوا حبلهم‬
                               ‫َ‬
       ‫بحبل المؤمنين فهم انقطعوا عن المؤمنين واتصلوا بالكفار وَيُفْسِدُونَ فِي الَرْضِ‬
            ‫ْ‬
   ‫بتعويق الناس عن اليمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن. أُولئِكَ الموصوفون‬
        ‫بنقض العهد وما بعده هُمُ الْخاسِرُونَ )72( أي المغبونون بذهاب حسناتهم التي‬
 ‫عملوها ، وبذهاب نعيم الجنة الذي لو أطاعوا اللّه لوجوده. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَالحال‬
‫أنكم وَكُنْتُمْ أَمْواتا أجساما ل حياة لها ، نطفا وعلقا ، ومضغا فَأَحْياكُمْ بنفخ الرواح فيكم‬
    ‫ثُمّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم ثُمّ يُحْيِيكُمْ بالنشور ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )82( بعد الحشر‬
                                      ‫فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.‬
  ‫والمعنى ثم إليه تنشرون من قبوركم للحساب هوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ أي لجل انتفاعكم‬
                                         ‫ُ‬
   ‫في الدين والدنيا بالستدلل على موجدكم ، وإصلح البدان ما فِي الَرْضِ جَمِيعا ثُمّ‬
                     ‫ْ‬
‫21‬

  ‫اسْتَوى أي قصد إِلَى خلق السّماءِ أي تعلقت إرادته تعلقا حادثا بترجيح وجود السماء‬
    ‫على عدمها ، فتعلقت القدرة بإيجادها ، فَسَوّاهنّ أي فجعل السماء سَبْعَ سَماواتٍ‬
                                     ‫ُ‬
    ‫والحاصل أن اللّه تعالى خلق الرض من غير بسط في يومين ، ثم خلق السموات‬
 ‫السبع مبسوطة في يومين ، ثم خلق ما في الرض مما ينتفع به في يومين. وعن ابن‬
   ‫مسعود قال : إن اللّه تعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما‬
 ‫أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسماه سماء ، ثم أيبس‬
‫الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الحد والثنين ،‬
  ‫فجعل الرض على حوت ، والحوت في الماء على صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ،‬
‫والملك على الصخرة ، والصخرة على الريح فتحرك الحوت ، فتزلزلت الرض ، فأرسى‬
     ‫عليها الجبال ، فقرت. فالجبال تفتخر على الرض. وَهوَ بِكلّ شيْءٍ عَلِيمٌ )92( فل‬
                         ‫َ‬   ‫ُ‬     ‫ُ‬
 ‫يمكن أن يكون خالقا للرض وما فيها ، وللسموات وما فيها من العجائب والغرائب إل‬
    ‫إذا كان عالما بها محيطا بجزئياتها وكلياتها. وَإِذْ قالَ رَبّكَ لِلْمَلئِكَةِ فإذا نصب بإضمار‬
                                                                                          ‫اذكر.‬
 ‫وقيل : زائدة. وقيل : بمعنى قد. ويجوز أن ينتصب بقالوا : أتجعل أي قالوا ذلك القول‬
                       ‫وقت قول اللّه تعالى : إِنّي جاعِلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً ]البقرة : 3[.‬
                                                    ‫ْ‬
 ‫روى الضحاك عن ابن عباس : إنه تعالى إنما قال هذا القول للملئكة الذين كانوا في‬

   ‫الرض محاربين مع إبليس ، لن اللّه تعالى لما أسكن الجن الرض فأفسدوا فيها ،‬
      ‫وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا بعث اللّه إبليس في جند من الملئكة فقتلهم‬
   ‫إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الرض وألحقوهم بجزائر البحر. وهؤلء خزّان‬
    ‫الجنان أنزلهم اللّه من السماء إلى الرض لطرد الجن إلى الجزائر والجبال وسكنوا‬
     ‫الرض فخفّف اللّه عنهم العبادة وكان إبليس يعبد اللّه تارة في الرض وتارة في‬
‫السماء ، وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه : ما أعطاني اللّه هذا الملك إل‬
‫لني أكرم الملئكة عليه. فقال تعالى له ولجنده : إِنّي جاعِلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً أي بدل‬
                      ‫ْ‬
‫منكم ورافعكم إليّ فكرهوا ذلك لنهم كانوا أهون الملئكة عبادة. والمراد به آدم عليه‬
   ‫السلم قالُوا استكشافا عمّا خفي عليهم من الحكمة ل اعتراضا على اللّه تعالى ول‬
 ‫طعنا في بني آدم على طريق الغيبة : أَتَجْعلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي بمقتضى‬
                                             ‫َ‬
‫31‬

   ‫القوة الشهوانية وَيَسْفِكُ الدّماءَ بالظلم بمقتضى القوة الغضبية - فغفلوا عن مقتضى‬
   ‫القوة العقلية التي بها يحصل الكمال والفضل - وَنَحْنُ نُسَبّحُ أي ننزهك عن كل ما ل‬
 ‫يليق بشأنك ملتبسين بِحَمْدِكَ على ما أنعمت به علينا من فنون النعم ، التي من جملتها‬
     ‫توفيقنا لهذه العبادة. فالتسبيح لظهار صفات الجلل ، والحمد لتذكير صفات النعام‬
  ‫وَنُقَدّسُ لَكَ أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزّة ، وننزهك عما ل يليق بك. وقيل :‬
 ‫المعنى نطهّر نفوسنا عن الذنوب لجلك ، أي فنحن أحق بالستخلف قالَ تعالى : إِنّي‬
                           ‫أَعْلَمُ ما ل تَعْلَمُونَ )03( من مصلحة استخلف آدم عليه السلم.‬
     ‫وَعَلّمَ آدَمَ الَسْماءَ كُلّها أي أسماء كل ما خلق اللّه من أجناس المحدثات من جميع‬
                                                                      ‫ْ‬
         ‫اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم ثُمّ عَرَضَهُمْ أي ذوات الشياء عَلَى‬
       ‫الْمَلئِكَةِ بأن صور اللّه الشياء في قلوبهم فصارت كأنهم شاهدوها ، أو خلق اللّه‬
‫تعالى معاني السماء التي علّمها آدم حتى شاهدتها الملئكة فَقالَ تعالى لهم توبيخا :‬
          ‫أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلءِ المسميات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )13( في زعمكم أنكم حق‬
   ‫بالخلفة ممن استخلفته. قالُوا إقرارا بالعجز : سُبْحانَكَ أي تبنا إليك من ذلك القول ل‬
                                                             ‫عِلْمَ لَنا إ ِل ما عَلّمْتَنا أي وإنما قالوا :‬
                                                                                            ‫ّ‬
‫أتجعل فيها من يفسد فيها ، لن اللّه تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا : إنك أعلمتنا أنهم‬
     ‫يفسدون في الرض ويسفكون الدماء. فقلنا لك : أتجعل فيها من يفسد فيها ، وأما‬
‫هذه السماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ أي الذي ل يخرج عن‬
       ‫علمه شيء ، الْحَكِيمُ )23( أي المحكم لصنعته قالَ تعالى : يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ أي أخبر‬
‫الملئكة بِأَسْمائِهِمْ أي المسميات فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ مفصلة وبيّن لهم أحوال كل من‬
   ‫المسميات وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد قالَ اللّه تعالى لهم موبخا :‬
 ‫أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السّماواتِ وَالَرْضِ أي أعلم غيب ما يكون فيهما وَأَعْلَمُ ما‬
                                              ‫ْ‬
                                                                  ‫تُبْدُونَ أي تظهرون من قولكم :‬
 ‫أتجعل فيها إلى آخره وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )33( أي من استبطانكم أنكم أحقاء بالخلفة.‬

         ‫وروى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود : أن المراد بقوله تعالى : ما تُبْدُونَ‬
                                                                                                 ‫قولهم :‬
 ‫» أ تجعل فيها من يفسد فيها« وبقوله : وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ما أسرّ إبليس في نفسه من‬
‫41‬

     ‫الكبر ومن أن ل يسجد. وقيل : لما خلق اللّه تعالى آدم رأت الملئكة خلقا عجيبا ،‬
  ‫فقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إل كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموه. وَإِذْ‬
        ‫قُلْنا لِلْمَلئِكَةِ اسْجُدُوا لدَمَ سجود تعظيم لدم من غير وضع الجهة على الرض‬
                                                     ‫ِ‬
   ‫فَسَجَدُوا إ ِل إِبْلِيسَ أَبى عن أمر اللّه وَاسْتَكْبَرَ أي تعاظم عن السجود لدم وَكانَ مِنَ‬
                                                                                ‫ّ‬
                                     ‫الْكافِرِينَ )43( أي صار من الكافرين بإبائه عن أمر اللّه.‬
    ‫ويقال : إن إبليس حين اشتغاله بالعبادة كان منافقا كافرا ، وهذا السجود كان قبل‬
‫دخول آدم الجنة. وروي أن بني آدم عشر : الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر ،‬
    ‫وهؤلء كلهم عشر الطيور ، وهؤلء كلهم عشر حيوانات البحر ، وهؤلء كلهم عشر‬
   ‫ملئكة الرض الموكلين بها ، وكل هؤلء عشر ملئكة سماء الدنيا وكل هؤلء عشر‬
   ‫ملئكة السماء الثانية. وعلى هذا الترتيب إلى ملئكة السماء السابعة ، ثم الكل في‬
     ‫مقابلة ملئكة الكرسي نزر قليل ، ثم كل هؤلء عشر ملئكة السرادق الواحد من‬
‫سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت‬
‫به السموات والرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئا يسيرا وقدرا صغيرا ، وما‬
         ‫من مقدار موضع قدم إل وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم ، زجل بالتسبيح‬
  ‫والتقديس ، ثم كل هؤلء في مقابلة الملئكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة‬
       ‫في البحر ول يعلم عددهم إل اللّه ، ثم مع هؤلء ملئكة اللوح الذين هم أشياع‬
   ‫إسرافيل عليه السلم والملئكة الذي هم جنود جبريل عليه السلم وكلهم مشتغلون‬
  ‫بعبادته تعالى ل يحصي أجناسهم ول مدة أعمارهم ول كيفية عبادتهم إل اللّه تعالى.‬
   ‫وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنّةَ وَكُل مِنْها أكل رَغَدا أي واسعا لذيذا حَيْثُ‬
                                                                                    ‫ُ‬
                                ‫شِئْتُما أي في أيّ مكان أردتما منها ، وَل تَقْرَبا هذِهِ الشّجَرَةَ.‬
     ‫روي أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن‬
                                              ‫الشجرة فقال : »هي الشجرة المباركة السنبلة«‬
      ‫. وعن مجاهد وقتادة : هي التين. وعن يزيد بن عبد اللّه : هي الترج ، وعن ابن‬
      ‫عباس : هي شجرة العلم عليها من كل لون وفن. فَتكُونا مِنَ الظّالِمِينَ )53( أي‬
                                     ‫َ‬
      ‫فتصيرا من الضارين لنفسكما. ويقال : من الذين وضعوا أمر اللّه تعالى في غير‬
                                 ‫موضعه فَأَزَلّهُمَا الشّيْطانُ أي أزلقهما إبليس عَنْها أي الجنة.‬
  ‫وقرأ حمزة بألف بعد الزاي ، والباقون بغير ألف وتشديد اللم فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ‬
‫51‬

   ‫أي من الرغد. وقُلْنَا لدم وحواء وإبليس : اهْبِطُوا انزلوا إلى الرض ، فهبط آدم بسر‬
                                                                      ‫َ‬
‫نديب من أرض الهند على جبل يقال له : نود ، وهبطت حواء بجدة ، وإبليس بالبلة من‬
                                                                                    ‫أعمال البصرة‬

    ‫بَعْضُكُمْ لِبَعضٍ عَدُوّ قال اللّه تعالى : إِنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبِينٌ ]العراف : 22[ ،‬
                                                                                     ‫ْ‬
    ‫وَلَكُمْ فِي الَرْضِ مُسْتَقرّ أي منزل وَمَتاعٌ أي منفعة ومعاش إِلى حِينٍ )63( أي إلى‬
                                                             ‫َ‬            ‫ْ‬
 ‫وقت الموت فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ أي حفظ آدم من ربه كلمات لكي تكون سببا له‬
                                                                              ‫ولولده إلى التوبة.‬
    ‫وقرأ ابن كثير بنصب »آدم« ، ورفع »كلمات« أي جاءته عن اللّه تعالى كلمات. قال‬
  ‫سعيد بن جبير عن ابن عباس : »إنها ل إله إل أنت سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا ،‬
   ‫وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين ، ل إله إل أنت سبحانك وبحمدك ،‬
  ‫عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين ، ل إله إل أنت سبحانك‬
              ‫وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم«.‬
    ‫وقال مجاهد وقتادة هي : »ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من‬
   ‫الخاسرين«. فَتابَ عَليْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة إِنّهُ هُوَ التوّابُ أي الرجاع‬
                  ‫ّ‬                                                    ‫َ‬
    ‫على عباده بالمغفرة. الرّحِيمُ )73( أي البالغ في الرحمة لمن مات على التوبة. قُلْنَا‬
    ‫اهْبِطُوا مِنْها أي الجنة جَمِيعا إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة. وفائدة تكرير‬
   ‫المر بالهبوط أن آدم وحواء لما آتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد المر به ، ووقع في‬
 ‫قلبهما أن المر به لما كان بسبب الزلة فبعد التوبة ل يبقى المر به ، فأعاد اللّه المر به‬
‫مرة ثانية ليعلما أن المر به باق بعد التوبة ، لن المر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في‬
     ‫قوله تعالى : إِنّي جاعلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً ]البقرة : 03[ وعلى هذا فالجمع لثنين‬
                                                        ‫ْ‬        ‫ِ‬
   ‫فقط آدم وحواء ، ويحتمل كون الجمع لهما ولولديهما قابيل وإقليما بناء على القول‬
      ‫بأنهما ولدا في الجنة ، ولعل عدم ذكرهما كونهما تابعين لبويهما. وكان قابيل قد‬
‫غضبه أبواه لقتله هابيل فإِمّا يَأْتِيَنّكُمْ يا ذرية آدم منّي هُدىً دللة كدليل العقل والنقل ،‬
                                   ‫ِ‬                                 ‫َ‬
‫و»إن« للشرطية أدغمت في »ما« الزائدة للتأكيد فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ بأن تأمل الدلة بحقها‬
   ‫واستنتج المعارف منها فَل خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب وَل هُمْ يَحزَنُونَ )‬
            ‫ْ‬
                                                                   ‫83( على ما فاتهم من الدنيا.‬
‫61‬

       ‫ويقال : فل خوف عليهم إذا ذبح الموت ول هم يحزنون إذا أطبقت النار ، وزوال‬
     ‫الخوف يتضمن السلمة من جميع الفات ، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل‬
    ‫اللذات والمرادات ، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع اللّه تعالى ل يلحقه خوف‬
   ‫في القبر وعند البعث وعند حضور الموقف ، وعند تطاير الكتب ، وعند نصب الميزان‬
    ‫وعند الصراط وَالّذِينَ كَفَرُوا برسلنا المرسلة إليهم وَكَذّبُوا بِآياتِنا المنزّلة عليهم سواء‬
      ‫كانوا من النس أو من الجن أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ أي أهل النار وملزموها بحيث ل‬
   ‫يفارقونها. هُمْ فِيها خالِدُونَ )93( أي دائمون ل يخرجون منها ول يموتون فيها يا بَنِي‬
   ‫إِسْرائِيلَ أي يا أولد يعقوب ، وهذا خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من‬
   ‫أولد يعقوب عليه السلم في أيام سيدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ‬
‫الّتِي أَنعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على آبائكم من النجاء من فرعون وفلق البحر ، وتظليل الغمام‬
                                                                             ‫ْ‬
                                                                                     ‫في التيه ،‬

  ‫وإنزال المنّ والسلوى فيه ، وإعطاء الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا‬
   ‫من الماء متى أرادوا ، وإعطاء عمود من النور ليضيء لهم بالليل وجعل رؤوسهم ل‬
      ‫تتشعث ، وثيابهم ل تبلى ، وجعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط ، وإنزال‬
‫الكتب العظيمة التي ما أنزلها اللّه على أمة سواهم أي أقيموا بشكر تلك النعمة. وَأَوْفُوا‬
   ‫بِعَهْدِي أي أوفوا بما أمرتكم به من الطاعات ونهيتكم عنه من المعاصي ومن الوفاء‬
     ‫بالمر اليمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي أرض عنكم وأدخلكم‬
‫الجنة. وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ )04( فيما تأتون وتتركون. واعلم أن كل من كان خوفه في الدنيا‬
                                                ‫أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر ، وبالعكس.‬
 ‫روي أنه ينادي مناد يوم القيامة : »وعزتي وجللي أني ل أجمع على عبدي خوفين ول‬
‫أمنين من أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة ومن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة«.‬
    ‫وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ من القرآن مصَدّقا أي موافقا بالتوحيد وصفة محمد صلّى اللّه عليه‬
                                                       ‫ُ‬
    ‫وسلّم وبعض الشرائع لِما مَعَكُمْ من التوراة وَل تَكُونُوا أَوّلَ كافِرٍ بِهِ أي بالقرآن من‬
    ‫اليهود فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة وفيها قريظة والنضير فكفروا به‬
   ‫صلّى اللّه عليه وسلّم ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر. ويقال : ول تكونوا أول‬
‫من جحد مع المعرفة لن كفر قريش كان من الجهل ل مع المعرفة. وَل تَشْتَرُوا بِآياتِي‬
‫71‬

‫أي بكتمان صفة محمد ثَمَنا قَلِيل أي عوضا يسيرا. وذلك لن رؤساء اليهود مثل كعب بن‬
                                               ‫ً‬
‫الشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من سفلة اليهود الهدايا ، وعلموا أنهم‬
   ‫لو اتبعوا محمدا لنقطعت عنهم تلك الهدايا فأصروا على الكفر لئل ينقطع عنهم ذلك‬
  ‫القدر المحقّر ، وذلك لن الدنيا كلها بالنسبة إلى الدين قليلة جدا ، ثم تلك الهدايا كانت‬
 ‫في نهاية القلة بالنسبة إلى الدنيا وَإِيّايَ فَاتّقُونِ )14( أي فخافوني في شأن هذا النبي‬
                                                                               ‫صلّى اللّه عليه وسلّم.‬
    ‫وَل تَلْبِسُوا الْحقّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقّ والباء للستعانة والمعنى ول تخلطوا الحق‬
                                                                              ‫َ‬
 ‫بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين ، وذلك لن النصوص الواردة في التوراة‬
‫والنجيل في أمر محمد كانت نصوصا خفية يحتاج في معرفتها إلى الستدلل ، ثم إنهم‬
    ‫كانوا يجادلون فيها ويشوشون وجه الدللة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات‬
‫وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )24( ما في إضلل الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة ،‬
‫وذلك لن التلبيس صار صارفا للخلق عن قبول الحق إلى يوم القيامة ، وداعيا لهم إلى‬
 ‫الستمرار على الباطل إلى يوم القيامة ، ثم ذكر اللّه لزوم الشرائع عليهم بعد اليمان.‬
‫وَأَقِيمُوا الصّلةَ أي أتموا الصلوات الخمس وَآتُوا الزّكاةَ أي أعطوا زكاة أموالكم وَارْكَعُوا‬
         ‫مَعَ الرّاكِعِينَ )34( أي صلوا الصلوات الخمس مع المصلين محمد وأصحابه في‬
 ‫جماعتهم ، وخصّ اللّه الركوع بالذكر تحريضا لليهود على التيان بصلة المسلمين فإن‬
    ‫اليهود ل ركوع في صلتهم فكأنه تعالى قال : صلوا الصلة ذات الركوع في جماعة‬
                                                      ‫أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.‬

   ‫روي عن ابن عباس أنه قال : إن أحبار المدينة إذا جاءهم أحد في الخفية لستعلم‬
     ‫أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا : هو صادق فيما يقول وأمره حقّ فاتبعوه ،‬
 ‫وهم كانوا ل يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلت التي كانت تصل إليهم من أتباعهم.‬
       ‫ويقال : إن جماعة من اليهود كانوا مبعث الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يخبرون‬
 ‫مشركي العرب أن رسول سيظهر منكم ويدعو إلى الحق وكانوا يرغبونهم في اتباعه ،‬
 ‫فلما بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم حسدوه وكفروا به فبكتهم اللّه تعالى بذلك‬
  ‫فقال : وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أي التوراة الناطقة بنعوت محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أَفَل‬
‫تَعْقِلُونَ )44( أي أتتلونه فل تعقلون ما فيه وَاسْتَعِينُوا أيها اليهود على ترك ما تحبون من‬
‫81‬

  ‫الدنيا وعلى الدخول فيما تستثقله طباعكم من قبول دين محمد صلّى اللّه عليه وسلّم‬
     ‫بِالصّبْرِ أي بحبس النفس عن اللذات وَالصّلةِ فإنها جامعة لنواع العبادات وَإِنّها أي‬
‫الصلة لَكَبِيرَةٌ أي لشاقة إ ِل عَلَى الْخاشِعِينَ )54( أي المائلين إلى الطاعة الّذِينَ يَظُنّونَ‬
                                                                  ‫ّ‬
  ‫أَنّهُمْ مُلقُوا رَبّهِمْ بالموت في كل لحظة وذلك لن كل من كان منتظرا للموت في كل‬
   ‫لحظة ، ل يفارق قلبه الخشوع ، فهم يبادرون إلى التوبة لن خوف الموت مما يقوي‬
                                                                                      ‫دواعي التوبة.‬
 ‫وَأَنّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ )64( في الخرة فيجازيهم بأعمالهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتيَ‬
   ‫ِ‬
   ‫الّتِي أَنعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ )74( أي واذكروا أني فضلت آباءكم‬
                                                          ‫ُ‬                                ‫ْ‬
      ‫على الموجودين في زمانهم ل على من مضى ول على من يوجد بعدهم ، وأيضا‬
‫معنى تفضيلهم على جميع العوالم أن اللّه تعالى بعث منهم رسل كثيرة لم يبعثهم من‬
   ‫أمة غيرهم ففضلوا لهذا النوع من التفضيل على سائر المم وَاتّقُوا أيها اليهود إن لم‬
  ‫تؤمنوا يوْما ل تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا وَل يُقْبلُ بالتأنيث على قراءة ابن كثير وأبي‬
                                     ‫َ‬                                                 ‫َ‬
   ‫عمرو وبالتذكير على قراءة الباقين مِنْها شَفاعَةٌ وَل يؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فداء وَل هُمْ‬
                                        ‫ُ‬
    ‫يُنْصَرُونَ )84( أي يمنعون من عذاب اللّه تعالى ومعنى الية أن يوم القيامة ل تنوب‬
  ‫نفس عن نفس شيئا ول تحمل عنها شيئا مما أصابها بل يفر المرء فيه من أخيه وأمه‬
  ‫وأبيه ، ومعنى هذه النيابة أن طاعة المطيع ل تقضي عن العاصي ما كان واجبا عليه‬
    ‫. وَإِذْ نَجّيْناكُمْ وقرئ »أنجيناكم« و»نجيتكم« ف »إذا« في موضع نصب عطفا على‬
    ‫نعمتي عطف تفصيل على مجمل ، وكذلك الظروف التية في الكلم المتعلق ببني‬
 ‫إسرائيل وينقضي عند قوله تعالى : »سَيَقُولُ السّفَهاءُ والخطاب للموجودين في زمن‬
     ‫نبينا. تذكيرا لهم بما أنعم اللّه على آبائهم لن إنجاء الباء سبب في وجود البناء«.‬
   ‫والمعنى ويا بني إسرائيل اذكروا إذ نجينا آباءكم مِنْ آلِ فِرْعوْنَ أي أتباعه وأهل دينه‬
                           ‫َ‬
    ‫وعمر فرعون أكثر من أربعمائة سنة - وهو الوليد بن مصعب بن ريان - يَسُومُونَكُمْ‬
    ‫سُوءَ العَذابِ أي يطلبون لكم أشد العذاب. ثم بيّن اللّه ذلك بقوله : يُذَبّحُونَ أَبْناءَكُمْ‬
                                                                                       ‫ْ‬
                                                                                              ‫صغارا.‬
   ‫وقرئ »يذبحون« بالتخفيف. وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يتركونهن أحياء صغارا. ويقال :‬
‫91‬

‫يستخدمونهن كبارا ، وذلك أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس حتى‬
                                                                                  ‫أحاطت‬

                                                                          ‫ج 1 ، ص : 02‬
  ‫ببيوت مصر وأحرقت كل قبطي ، وتركت بني إسرائيل ، فدعا فرعون الكهنة وسألهم‬
                                                                                ‫عن ذلك.‬
    ‫فقالوا : يولد في بني إسرائيل ولد يكون هلك القبط وزوال ملكك على يده. فأمر‬
   ‫فرعون بقتل كل غلم يولد في بني إسرائيل حتى قتل من أولدهم اثني عشر ألف‬
 ‫صبي. وَفِي ذلِكُمْ بَلءٌ منْ رَبّكُمْ عَظِيمٌ )94( والبلء هاهنا هو المحنة إن أشير بلفظ‬
                                                             ‫ِ‬
     ‫ذلكم إلى صنع فرعون والنعمة إن أشير به إلى النجاء وحمل البلء على النعمة‬
  ‫أحسن ، لنها هي التي صدرت من اللّه تعالى ، ولن موضع الحجة على اليهود إنعام‬
  ‫اللّه تعالى على أسلفهم ، ثم إن كون استبقاء نسائهم على الحياة محنة مع أنه ترك‬
    ‫للعذاب لما أن ذلك كان للستعمال في العمال الشاقة وكان سببا لنقطاع النسل‬
 ‫ولفساد أمر معيشتهن. وَإِذْ فَرقْنا بِكُمُ البَحْرَ أي واذكروا إذ فلقناه بسببكم أي لجل أن‬
                                             ‫ْ‬             ‫َ‬
   ‫يتيسر لكم سلوكه فَأَنْجَيْناكُمْ من الغرق بإخراجكم إلى الساحل وَأَغْرقْنا آلَ فِرْعوْنَ‬
       ‫َ‬             ‫َ‬
   ‫وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ )05( التطام أمواج البحر بفرعون وقومه وترون بعد ثلثة أيام جثثهم‬
                                 ‫التي قذفها البحر إلى الساحل وفرعون معهم طافين.‬
    ‫روي أنه تعالى أمر موسى عليه السلم أن يسري ببني إسرائيل ، وكانوا اثني عشر‬
‫سبطا ، كل سبط خمسون ألفا فلما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون. فقال :‬
  ‫ل تتبعوهم حتى يصيح الديك ، ثم اجتمع إلى فرعون ألف ألف ومائتا ألف ، كل واحد‬
‫منهم على فرس فتبعوا موسى وقومه نهارا ، وصادفوهم على شاطئ البحر ، فضرب‬
 ‫موسى بعصاه البحر فانشق البحر اثني عشر جبل في كل واحد منها طريق فكان فيه‬
   ‫وحل ، فهبت الصبا فجف البحر حتى صار طريقا يابسا ، فأخذ كل سبط منهم طريقا‬
 ‫ودخلوا فيه فقالوا لموسى : إنّ بعضنا ل يرى صاحبه فضرب موسى عصاه على البحر‬
  ‫فصار بين الطرق منافذ ، وكوى فرأى بعضهم بعضا فلما وصل فرعون شاطئ البحر‬
  ‫رأى إبليس واقفا فنهاه عن الدخول ، فجاء جبريل على حجرة ، فتقدم فرعون وهو‬
‫على فحل ، فتبعها فرس فرعون فلما دخل فرعون البحر صاح ميكائيل بهم من خلفهم‬
‫02‬

   ‫وهو على فرس فقال : ألحقوا آخركم بأولكم. فلما دخلوا البحر ولم يبق واحد منهم‬
 ‫التطم البحر عليهم وأغرقهم أجمعين وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ ، وهو بحر‬
 ‫القلزم طرف من بحر فارس. وقيل : كان ذلك اليوم يوم عاشوراء فصام موسى عليه‬
                                  ‫وَإِذْ واعَدْنا مُوسى .‬   ‫السلم ذلك اليوم شكرا للّه تعالى‬
   ‫قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير ألف في هذه السورة وفي العراف وطه. وقرأ الباقون‬
    ‫باللف في المواضع الثلثة. أَرْبَعِينَ ليْلَةً بإعطاء الكتاب ثُمّ اتّخَذْتُمُ الْعِجلَ أي عبدتم‬
               ‫ْ‬                                           ‫َ‬
  ‫العجل المسمى »بهموت«. منْ بَعْدِهِ أي بعد انطلقه إلى الجبل وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ )15(‬
                                                               ‫ِ‬
                                                                          ‫أي ضارون لنفسكم.‬
   ‫قيل : وعد موسى عليه السلم بني إسرائيل وهو بمصر أن أهلك اللّه عدوهم أتاهم‬
                                                                                            ‫بكتاب‬

                                                                                 ‫ج 1 ، ص : 12‬
  ‫من عند اللّه تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون ، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه‬
                                                ‫الكتاب ، فأمره أن يجيء إلى الطور ويصوم‬
    ‫ذلك ثُمّ أَنْتُمْ هؤُلءِ أي هؤلء الحاضرون بعد ذلك تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ أي يقتل بعضكم‬
‫بعضا وَتُخْرِجُونَ فَرِيقا مِنْكُمْ منْ دِيارِهِمْ أي من منازلهم ذلك الفريق تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ.‬
                                                              ‫ِ‬
     ‫قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء. والباقون بالتشديد أي يعاون بعضكم‬
‫بعضا بِالِثْمِ أي المعصية وَالعُدْوانِ أي التجاوز في الظلم وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى أي أسارى‬
                                                               ‫ْ‬                    ‫ْ‬
‫أهل دينكم تُفادُوهُمْ بالمال أو غيره. أي وإن يقع ذلك الفريق الذي تخرجونه من دياره‬
 ‫وقت الحرب حال كونه أسيرا في يد حلفائكم تفدوه. قرأ حمزة »أسرى« بفتح الهمزة‬
 ‫وسكون السين مع المالة. وقرأ عاصم والكسائي »تفادوهم« بضم التاء وفتح الفاء.‬
              ‫والباقون بفتح التاء وسكون الفاء. وَهوَ أي الشأن محَرّمٌ عَليْكُمْ إِخْراجُهُمْ.‬
                                  ‫َ‬         ‫ُ‬            ‫ُ‬
      ‫قال السدي : إن اللّه تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة الميثاق أن ل يقتل‬
  ‫بعضهم بعضا ول يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني‬
                                                                   ‫إسرائيل فاشتروه وأعتقوه.‬
‫وكان قريظة والنضير أخوين كالوس والخزرج ، فافترقوا فكانت قريظة حلفاء الوس ،‬
 ‫والنضير حلفاء الخزرج حين كان بينهما ما كان من العداوة ، فكان كل فريق يقاتل مع‬
‫12‬

‫حلفائه فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها ، ثم إذا أسر رجل من الفريقين فدوه‬
  ‫كما لو أسر واحد من النضير ووقع في يد الوس افتدته قريظة منهم بالمال ، وهكذا‬
  ‫يقال في عكس ذلك فعيّرتهم العرب وقالت : كيف تقاتلونهم ثم تفدوهم. فيقولون :‬
  ‫أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكن نستحي أن تذل حلفاؤنا فذمهم اللّه تعالى‬
   ‫بقوله : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ أي تفعلون بعض الواجبات وهو المفاداة وَتَكْفُرُونَ‬
                                                           ‫ْ‬
‫بِبَعْضٍ أي فلم تتركوا المحرم وهو القتال والخراج والمعاونة فَما جَزاءُ منْ يَفعَلُ ذلِكَ‬
          ‫ْ‬     ‫َ‬
    ‫مِنْكُمْ إ ِل خِزْيٌ أي ذمّ عظيم وتحقير بالغ فِي الْحَياةِ الدّنْيا فكان خزي قريظة القتل‬
                                                                               ‫ّ‬
     ‫والسبي وقد قتل صلّى اللّه عليه وسلّم منهم سبعمائة في يوم واحد ، وخزي بني‬

                                                                                            ‫)12/1(‬

                                                                                ‫صفحات فارغة‬

  ‫النضير بالجلء إلى أذرعات وأريحا. وقيل : هو ضرب الجزية على النضير في الشام‬
‫وعلى من بقي من قريظة الذين سكنوا خيبر. وَيَوْمَ القِيامَةِ يُردّونَ إِلى أَشَدّ الْعَذابِ أي‬
                              ‫َ‬           ‫ْ‬
        ‫عذاب جهنم لما أن معصيتهم أشد المعاصي وَمَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ )58(.‬
  ‫قرأ ابن كثير ونافع وعاصم بتاء الخطاب في »يعملون« وأما في »يردون« فالسبعة‬
 ‫بالغيبة فقط وأما بتاء الخطاب فشاذة وهذه الجملة زجر عظيم عن المعصية وبشارة‬
                                                                            ‫عظيمة على الطاعة.‬
 ‫أُولئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدّنْيا أي استبدلوها بِالخِرَةِ بأن اختاروا الكفر على اليمان‬
                                    ‫ْ‬
 ‫فَل يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ل بالنقطاع ول بالقلة في كل وقت أو في بعض الوقات وَل‬
‫هُمْ يُنْصرُونَ )68( فل يدفع أحد هذا العذاب عنهم. وَلَقَدْ آتَيْنا أي أعطينا مُوسَى الْكِتابَ‬
                                                                                   ‫َ‬
   ‫أي التوراة وَقَفّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرّسُلِ أي أتبعناهم إياه مترتبين وهم يوشع وشمويل ،‬
   ‫وشمعون ، وداود ، وسليمان ، وشعيا وأرميا ، وعزير ، وحزقيل ، والياس ، واليسع ،‬
    ‫ويونس ، وزكريا ، ويحيى وغيرهم وجميع النبياء بين موسى وعيسى على شريعة‬
                                                                ‫موسى. قيل : هم سبعون ألفا.‬
 ‫وقيل : أربعة آلف ، ومدة ما بينهما ألف وتسعمائة سنة وخمسة وعشرون سنة وَآتَيْنا‬
 ‫عِيسَى ابْنَ مرْيَمَ الْبَيّناتِ أي المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الكمه - سواء كان كمهه‬
                                                                          ‫َ‬
‫22‬

‫خلقيا أو طارئا - وإبراء البرص ، وكالخبار بالمغيبات ، وكالنجيل. ثم عيسى بالسريانية‬
                                                                                          ‫أيشوع ومعناه :‬
  ‫المبارك. ومريم بالسريانية بمعنى الخادم. وفي كتاب لسان العرب : هي المرأة التي‬
 ‫تكره مخالطة الرجال. وَأَيّدْناهُ قرأه ابن كثير بمد الهمزة وتخفيف الياء أي قويناه بِرُوحِ‬
    ‫الْقُدُسِ وهو جبريل وهو الذي بشر مريم بولدتها وإنما ولد عيسى عليه السلم من‬
 ‫نفخة جبريل وهو الذي رباه في جميع الحوال وكان يسير معه حيث سار ، وكان معه‬
 ‫حين صعد إلى السماء. أَفَكُلّما جاءَكُمْ يا معشر اليهود رَسُولٌ بِما ل تَهْوى أَنْفُسُكُمُ أي‬
‫بما ل يوافق قلوبكم من الحق اسْتَكْبرْتُمْ أي تعظمتم عن اليمان به والتباع له فَفَرِيقا‬
                                                  ‫َ‬
‫كَذّبْتُمْ وفَرِيقا تَقْتُلُونَ )78( أي كذّبت طائفة محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعيسى عليه‬
                                                                                ‫َ‬
‫السلم ، وقتل فريق يحيى وزكريا وَقالُوا أي اليهود : قُلُوبُنا غُلْفٌ أي مغشاة بأغطية عن‬
    ‫قولك يا محمد ، أو قلوبنا أوعية لكل علم وهي ل تعي علمك وكلمك بَلْ لَعنَهُمُ اللّهُ‬
                 ‫َ‬
  ‫بِكُفْرِهِمْ أي ليس عدم قبولهم للحق لخلل في قلوبهم ولكن اللّه أبعدهم عن رحمته‬
  ‫بسبب كفرهم فأبطل استعدادهم عن القبول فَقَلِيل ما يُؤْمِنُونَ )88( أي ل يؤمنون إل‬
                                     ‫ً‬
            ‫بالقليل مما كلفوا به لنهم كانوا يؤمنون باللّه ، إل أنهم كانوا يكفرون بالرسل.‬
  ‫وقال قتادة والصم وأبو مسلم : أي ل يؤمن منهم إل القليل وذلك نظير قوله تعالى :‬
  ‫بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفرِهِمْ فَل يُؤْمِنُونَ إ ِل قَلِيل ]النساء : 551[ وَلَمّا جاءَهُمْ أي اليهود‬
                                            ‫ً‬      ‫ّ‬                          ‫ْ‬
  ‫المعاصرين له صلّى اللّه عليه وسلّم كِتابٌ منْ عِنْدِ اللّهِ وهو القرآن مُصَدّقٌ لِما مَعَهُمْ‬
                                                    ‫ِ‬
                                                                  ‫أي موافق لكتابهم التوراة بالتوحيد‬

                                                                                           ‫ج 1 ، ص : 23‬
  ‫وصفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كذبوه وَكانُوا أي اليهود مِنْ قَبلُ أي من قبل مبعث‬
                   ‫ْ‬
      ‫محمد ونزول القرآن يَسْتَفْتِحُونَ أي يسألون الفتح أي النصرة علَى الّذِينَ كَفَرُوا أي‬
                              ‫َ‬
‫مشركي العرب أسد وغطفان ومزينة وجهينة وهم عدوهم يقولون : إذا دهمهم عدو :‬
 ‫اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المي. فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرفُوا من بعثة النبي صلّى اللّه‬
                              ‫َ‬
    ‫عليه وسلّم كَفَرُوا بِهِ حسدا وخوفا على الرياسة. وقال ابن عباس وقتادة والسدي :‬
  ‫نزلت هذه الية في شأن نبي قريظة والنضير ، كانوا يستفتحون على الوس والخزرج‬
‫برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل بعثه يقولون لمخالفيهم عند القتال : هذا نبي قد‬
‫32‬

        ‫قرب زمانه ينصرنا عليكم فَلعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافرِينَ )98( أي إبعاد اللّه من خيرات‬
                                          ‫ِ‬                         ‫َ‬
   ‫الخرة عليهم بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ أي بئس الشيء شيئا‬
                                              ‫ُ‬
 ‫اشتروا به أنفسهم ، كفرهم بالقرآن المصدق للتوراة ، أي إن هؤلء اليهود لما اعتقدوا‬
 ‫أنهم بما فعلوه خلصوا أنفسهم من العقاب وأوصلوها إلى الثواب فقد اشتروا أنفسهم‬
                                                                                            ‫به في زعمهم.‬
   ‫وقال الكثرون : الشتراء هاهنا بمعنى البيع لن المذموم ل يكون إل لما كان حاصل‬
 ‫لهم ، ل لما كان زائل عنهم ، والمعنى باعوا أنفسهم بكفرهم ، لن الذي حصلوه على‬
    ‫منافع أنفسهم هو الكفر فصاروا بائعين أنفسهم بذلك ، لكن لما كان الغرض بالبيع‬
     ‫والشراء إبدال ملك بملك ، صلح أن يوصف كل واحد من المتبادلين بأنه بائع ومشتر‬
 ‫لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما. بغْيا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ منْ فَضْلِهِ عَلى منْ يَشاءُ منْ‬
   ‫ِ‬          ‫َ‬                 ‫ِ‬                          ‫َ‬
      ‫عِبادِهِ أي حسدا على أن ينزل اللّه النبوة بفضله على محمد وطلبا لما ليس لهم أي‬
  ‫فإنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم بالنبوة المنتظرة يحصل في قومهم ، فلما وجدوه‬
 ‫في العرب حملهم ذلك على الحسد ، وقد أجاز العلماء أن يكون بغيا مفعول له ناصبه‬
   ‫»أن يكفروا« ، وأن ينزل اللّه مفعول له وناصبه »بغيا« ، فَباؤُ بِغضَبٍ عَلى غَضَبٍ أي‬
                      ‫َ‬
    ‫فاستحقوا لعنة بعد لعنة لمور صدرت عنهم وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مهِينٌ )09( أي يهانون‬
                        ‫ُ‬
                                      ‫بالعذاب الشديد بخلف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه‬
    ‫وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي وإذا قال المؤمنون لليهود الموجودين في زمن نبينا : آمِنُوا بِما أَنْزَلَ‬
‫اللّهُ أي بكل ما أنزل اللّه من الكتب اللهية جميعا قالُوا في جواب هذا القيل : نؤْمِنُ بِما‬
           ‫ُ‬
‫أُنْزِلَ عَلَيْنا أي بما أنزل على أنبيائنا من التوراة وكتب سائر النبياء الذين أتوا بتقرير شرع‬
‫موسى عليه السلم وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ فأخبر اللّه تعالى عنهم بأنهم يكفرون بما بعده‬
   ‫وهو النجيل والقرآن وَهوَ أي ما وراء ما أنزل على نبيهم من النجيل والقرآن الْحَقّ‬
                                                            ‫ُ‬
       ‫مُصَدّقا لِما معَهُمْ أي موافقا بالتوحيد لكتبهم قُلْ لهم يا أشرف الخلق إلزاما وبيانا‬
                                                                            ‫َ‬
 ‫لكفرهم بالتوراة التي ادعوا اليمان بها فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ مِنْ قَبلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‬
                             ‫ْ‬
 ‫)19( والمعنى إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما زعمتهم فلي شيء كنتم تقتلون أنبياء اللّه‬
‫من قبل لن في التوراة تحريم القتل وذلك لن التوراة دلّت على أن المعجزة تدل على‬
 ‫الصدق ، ودلّت على أن من كان صادقا في ادعاء النبوة فإن قتله كفر ، وإذا كان المر‬
                                                                             ‫كذلك كان السعي في قتل‬
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten
Tafsir Munir  Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani  )Banten

Más contenido relacionado

La actualidad más candente

الفوائد المستفاده من كتاب التوحيد
الفوائد المستفاده من كتاب التوحيدالفوائد المستفاده من كتاب التوحيد
الفوائد المستفاده من كتاب التوحيدalakeeda
 
ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3Sof Wan
 
تمام المنة في شرح اصول السنة
تمام المنة في شرح اصول  السنةتمام المنة في شرح اصول  السنة
تمام المنة في شرح اصول السنةalakeeda
 
التدمرية
التدمريةالتدمرية
التدمريةalakeeda
 
شرح المقدمة الجزرية المبسط للمبتدئين
شرح المقدمة الجزرية المبسط  للمبتدئينشرح المقدمة الجزرية المبسط  للمبتدئين
شرح المقدمة الجزرية المبسط للمبتدئينعرفت فالزم
 
المراحل الثمان لطالب فهم القرآن
المراحل الثمان لطالب فهم القرآنالمراحل الثمان لطالب فهم القرآن
المراحل الثمان لطالب فهم القرآنعرفت فالزم
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرbasheer777
 
لمعة الاعتقاد س و ج
لمعة الاعتقاد س و جلمعة الاعتقاد س و ج
لمعة الاعتقاد س و جalakeeda
 
افات اللسان
افات اللسانافات اللسان
افات اللسانalakeeda
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةmhmas
 
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'AN
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'ANKUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'AN
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'ANHakimuddin Salim
 
تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم  تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم Ammar Alruz
 
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاة
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاةهذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاة
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاةمبارك الدوسري
 
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآنالبيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآنربيع أحمد
 

La actualidad más candente (20)

الفوائد المستفاده من كتاب التوحيد
الفوائد المستفاده من كتاب التوحيدالفوائد المستفاده من كتاب التوحيد
الفوائد المستفاده من كتاب التوحيد
 
ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3ملخص العقيدة خاص 3
ملخص العقيدة خاص 3
 
تمام المنة في شرح اصول السنة
تمام المنة في شرح اصول  السنةتمام المنة في شرح اصول  السنة
تمام المنة في شرح اصول السنة
 
التدمرية
التدمريةالتدمرية
التدمرية
 
شرح المقدمة الجزرية المبسط للمبتدئين
شرح المقدمة الجزرية المبسط  للمبتدئينشرح المقدمة الجزرية المبسط  للمبتدئين
شرح المقدمة الجزرية المبسط للمبتدئين
 
Aqidatul awam
Aqidatul awamAqidatul awam
Aqidatul awam
 
هكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقف
هكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقفهكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقف
هكذا عاشوا مع القرآن قصص ومواقف
 
Ar hakza asho ma quran
Ar hakza asho ma quranAr hakza asho ma quran
Ar hakza asho ma quran
 
Mesbah
MesbahMesbah
Mesbah
 
المراحل الثمان لطالب فهم القرآن
المراحل الثمان لطالب فهم القرآنالمراحل الثمان لطالب فهم القرآن
المراحل الثمان لطالب فهم القرآن
 
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستيرالأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
الأعمال الفدائية صورها وأحكامها الفقهية ماجستير
 
لمعة الاعتقاد س و ج
لمعة الاعتقاد س و جلمعة الاعتقاد س و ج
لمعة الاعتقاد س و ج
 
افات اللسان
افات اللسانافات اللسان
افات اللسان
 
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعيةآل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
آل البيت عليهم السلام وحقوقهم الشرعية
 
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'AN
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'ANKUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'AN
KUNCI-KUNCI TADABBUR AL-QUR'AN
 
تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم  تدبر القرآن الكريم
تدبر القرآن الكريم
 
دار الأفراح والحبور والنعيم وسكانها في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
دار الأفراح والحبور والنعيم وسكانها في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحةدار الأفراح والحبور والنعيم وسكانها في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
دار الأفراح والحبور والنعيم وسكانها في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
 
من الإيمان بالغيب الإيمان بفتنة القبر و نعيمه
من الإيمان بالغيب الإيمان بفتنة القبر و نعيمهمن الإيمان بالغيب الإيمان بفتنة القبر و نعيمه
من الإيمان بالغيب الإيمان بفتنة القبر و نعيمه
 
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاة
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاةهذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاة
هذه نصيحتي ياطالب العلم ان اردت النجاة
 
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآنالبيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
 

Destacado

Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30omwito
 
Qsoft teknik mencari ayat kembar
Qsoft teknik mencari ayat kembarQsoft teknik mencari ayat kembar
Qsoft teknik mencari ayat kembarelra
 
Qsoft tarbiyah
Qsoft tarbiyahQsoft tarbiyah
Qsoft tarbiyahelra
 
Tutorial Qsoft
Tutorial QsoftTutorial Qsoft
Tutorial Qsoftelra
 
Metode tahfidz qishoff
Metode tahfidz qishoffMetode tahfidz qishoff
Metode tahfidz qishoffelra
 

Destacado (6)

Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30Tafsir munir jilid 7 juz 30
Tafsir munir jilid 7 juz 30
 
Qsoft teknik mencari ayat kembar
Qsoft teknik mencari ayat kembarQsoft teknik mencari ayat kembar
Qsoft teknik mencari ayat kembar
 
Qsoft tarbiyah
Qsoft tarbiyahQsoft tarbiyah
Qsoft tarbiyah
 
Qsoft
QsoftQsoft
Qsoft
 
Tutorial Qsoft
Tutorial QsoftTutorial Qsoft
Tutorial Qsoft
 
Metode tahfidz qishoff
Metode tahfidz qishoffMetode tahfidz qishoff
Metode tahfidz qishoff
 

Similar a Tafsir Munir Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani )Banten

فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأول
فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأولفتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأول
فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأولسمير بسيوني
 
Aqidatul awam عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...
Aqidatul awam   عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...Aqidatul awam   عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...
Aqidatul awam عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...Rabithah Ma'ahid Islamiyah Nahdlatul Ulama
 
ثمانية متون في العقيدة والتوحيد
ثمانية متون في العقيدة والتوحيدثمانية متون في العقيدة والتوحيد
ثمانية متون في العقيدة والتوحيدAbdel-Rahman Al-Khattab
 
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...MaymonSalim
 
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل في
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل فيكتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل في
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل فيAhmedNaser92
 
كيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانكيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانSof Wan
 
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامة
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامةAkhbar akhirah أهوال يوم القيامة
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامةSayfullah Alsunna
 
هدي الصحابة رضوان الله عليهم
هدي الصحابة رضوان الله عليهمهدي الصحابة رضوان الله عليهم
هدي الصحابة رضوان الله عليهمAlfaqirah Ila Rabiha
 
في رحاب القران
في رحاب القرانفي رحاب القران
في رحاب القرانtajweed12
 
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُ
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُتدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُ
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُCheery Al-Hamood
 
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكاملAhmedNaser92
 
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...MaymonSalim
 
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdf
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdfاتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdf
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdfأنور غني الموسوي
 
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينbasheer777
 
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطحل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطomrakan
 
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطحل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطomrakan
 

Similar a Tafsir Munir Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani )Banten (20)

فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأول
فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأولفتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأول
فتح السميع المجيب من قراءة حمزة بن حبيب الجزء الأول
 
Aqidatul awam عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...
Aqidatul awam   عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...Aqidatul awam   عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...
Aqidatul awam عقيدة العوام- نظم الشيخ أحمد المرزوقي المالكي- rmi project sy...
 
ثمانية متون في العقيدة والتوحيد
ثمانية متون في العقيدة والتوحيدثمانية متون في العقيدة والتوحيد
ثمانية متون في العقيدة والتوحيد
 
Ar tafser sorat_al_fateha
Ar tafser sorat_al_fatehaAr tafser sorat_al_fateha
Ar tafser sorat_al_fateha
 
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...
الكامل في تفاصيل حديث النبي في رجم ماعز لو سترته كان خيرا لك وبيان أن ذلك كان...
 
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل في
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل فيكتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل في
كتاب رقم ( 359 ) من سلسلة الكامل / الكامل في
 
كيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القرانكيف يجب علينا أن نفسر القران
كيف يجب علينا أن نفسر القران
 
تلخيص احوال الاخبار.pdf
تلخيص احوال الاخبار.pdfتلخيص احوال الاخبار.pdf
تلخيص احوال الاخبار.pdf
 
Osol Fee Altafseer
Osol Fee AltafseerOsol Fee Altafseer
Osol Fee Altafseer
 
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامة
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامةAkhbar akhirah أهوال يوم القيامة
Akhbar akhirah أهوال يوم القيامة
 
هدي الصحابة رضوان الله عليهم
هدي الصحابة رضوان الله عليهمهدي الصحابة رضوان الله عليهم
هدي الصحابة رضوان الله عليهم
 
في رحاب القران
في رحاب القرانفي رحاب القران
في رحاب القران
 
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُ
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُتدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُ
تدبر القرآن الحُكمُ والحِكْمَةُ
 
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 301 ) من سلسلة الكامل
 
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...
الكامل في أحاديث إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه لم يستجب الله دعاءهم وبيا...
 
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdf
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdfاتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdf
اتفاق الأربعة الأركان على نفي تحريف القران.pdf
 
نفي تحريف القران.pdf
 نفي تحريف القران.pdf نفي تحريف القران.pdf
نفي تحريف القران.pdf
 
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمينماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين
 
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطحل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
 
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاطحل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
حل أسئلة التوحيد 1م ف1 نشاط
 

Último

إسنــــاد الأفعال. إلى الضمائر.pptx
إسنــــاد الأفعال.    إلى الضمائر.pptxإسنــــاد الأفعال.    إلى الضمائر.pptx
إسنــــاد الأفعال. إلى الضمائر.pptxssusere01cf5
 
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.ppt
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.pptوزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.ppt
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.pptAdamIdiris
 
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .ppt
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .pptالفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .ppt
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .pptNaeema18
 
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجه
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجهأهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجه
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجهneamam383
 
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdf
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdfالخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdf
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdfabdomjido9
 
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptx
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptxنشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptx
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptxNaceraLAHOUEL1
 
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعر
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعرأمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعر
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعرneamam383
 
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماء
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماءفي قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماء
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماءneamam383
 
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهلي
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهليأنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهلي
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهليneamam383
 
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptx
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptxالتنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptx
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptxJoudyHaydar
 
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfالتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfNaseej Academy أكاديمية نسيج
 
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docx
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docxمخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docx
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docxouassam
 
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptx
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptxدرس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptx
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptxNaceraLAHOUEL1
 
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptx
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptxالوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptx
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptxMohamadAljaafari
 
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...belalabdelmoniem1
 

Último (15)

إسنــــاد الأفعال. إلى الضمائر.pptx
إسنــــاد الأفعال.    إلى الضمائر.pptxإسنــــاد الأفعال.    إلى الضمائر.pptx
إسنــــاد الأفعال. إلى الضمائر.pptx
 
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.ppt
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.pptوزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.ppt
وزارة التربية دورة استراتيجيات التعلم النشط -.ppt
 
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .ppt
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .pptالفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .ppt
الفعل الصحيح والفعل المعتل ونواعه لفيف نقص .ppt
 
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجه
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجهأهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجه
أهمية كرة القدم ومخاطر التعصب الكروي وعلاجه
 
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdf
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdfالخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdf
الخرائط الموضوعاتية وتحليلية - المحاضرة الثالثة.pdf
 
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptx
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptxنشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptx
نشأة القضية الفلسطينية وتطورها التاريخي .pptx
 
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعر
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعرأمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعر
أمثلة عن قضية السرقات الشعريه والانتحال في الشعر
 
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماء
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماءفي قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماء
في قضية اللفظ والمعني والبعض من آراء العلماء
 
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهلي
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهليأنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهلي
أنواع الحياة والاغراض الشعرية في العصر الجاهلي
 
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptx
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptxالتنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptx
التنمية المستدامة والمكتبات الاكاديمية.pptx
 
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdfالتعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي مواطن التحدي ومناهل الفرص _.pdf
 
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docx
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docxمخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docx
مخطط رياضيات .مخطط الفترة 4 و 5 رياضيات سنة سادسة6.docx
 
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptx
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptxدرس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptx
درس الطباقالمحسنات المعنويّة، بهدف تحسين المعنى .pptx
 
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptx
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptxالوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptx
الوعي المعلوماتي للعاملين في المكتبات و مراكز المعلومات.pptx
 
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...
بلال عبد المنعم شفيق-الفرقة الثالثة - شعبة عام لغة عربية - كلية التربية بقنا ...
 

Tafsir Munir Jilid 01 (Syech Imam Nawawi Albantani )Banten

  • 1. ‫1‬ ‫تفسير المنير‬ ‫الكتاب : مراح لبيد لكشف معنى القرآن مجيد‬ ‫المؤلف : محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما ، التناري بلدا‬ ‫الناشر: دار الكتب العلمية‬ ‫مكان الطبع : بيروت .سنة الطبع : 7141 ق.عدد الجزاء : 2‬ ‫تحقيق : محمد أمين الصناوى ) ترقيم الشاملة موافق للمطبوع (‬ ‫)الجزء الول (‬ ‫بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‬ ‫المقدمة‬ ‫الحمد للّه رب العالمين ، الذي أنزل كتابه المبين على رسوله محمد المين صلّى اللّه‬ ‫عليه وسلّم ، فشرح به الصدور وأمّن به القلوب من الخوف إل من غضبه عزّ وجلّ ،‬ ‫ونوّر به بصائر الصالحين والعارفين وجعله هداية للعالمين.‬ ‫أما بعد ، فالعلم نور والجهل ضللة ، وخير العلوم علم الدين والتفسير ، فهو يبيّن ما‬ ‫اشتملت عليه الحكام اللهية من السرار والبدائع ، لذا علينا إخواني أن نأتمر بما أمرنا‬ ‫اللّه به من تعلّم قراءة وتفسير وفهم كتاب اللّه المنزّل إلينا وتعليمه وتفهيمه ، وهو‬ ‫القائل سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَما نَزَلَ مِنَ‬ ‫الْحَقّ وَل يَكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫مِنْهُمْ فاسِقُونَ )61( اعْلَمُوا أَنّ اللّهَ يُحْيِ الَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيّنّا لكُمُ الياتِ لعَلّكُمْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تَعْقِلُونَ )71( ]الحديد : 61 ، 71[ ، ففي هذه اليات الكريمة تنبيه من اللّه عزّ وجلّ‬ ‫على أنه كما يحيي الرض بعد موتها كذلك يليّن القلوب ويذهب قسوتها ويبعدها عن‬ ‫المعاصي والذنوب باليمان الحقّ ، واللّه خير المرتجى أن يفعل بنا ما يريد إنه عزيز‬
  • 2. ‫2‬ ‫كريم. فقد عملت على ضبط نص هذا الكتاب »مراح لبيد« ، المؤلّف من جزءين ، الذي‬ ‫أتمنّى أن أكون بعملي هذا قد وفّقت إلى ما أصبو إليه من إيضاح وضبط وتعميم‬ ‫للفائدة المرتجاة. راجيا من المولى عزّ وجلّ العفو والمغفرة عمّا به قد أكون قصّرت ،‬ ‫ومنك عزيزي القارئ التّفهّم الكامل وجبر العثرات ، إذ إن الكمال للّه وحده ، والعصمة‬ ‫محمد أمين الضنّاوي‬ ‫للنبياء.‬ ‫ترجمة المؤ ل ّف » 1 «‬ ‫هو محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما ، التناري بلدا ، مفسّر ، متصوّف ، من‬ ‫فقهاء الشافعية. هاجر إلى مكّة المكرّمة وتوفي بها سنة 6131 ه ، عرّفه »تيمور« ب‬ ‫»عالم الحجاز« ، له مصنّفات كثيرة منها :‬ ‫- »مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد« مجلدان ، وهو تفسيره.‬ ‫- »مراقي العبودية« ، شرح لبداية الهداية للغزالي ، فرغ من تأليفه سنة 9821 ه.‬ ‫- »وقائع الطغيان على منظومة شعب اليمان«.‬ ‫- »قطر الغيث في شرح مسائل أبي الليث«.‬ ‫- »عقود اللّجين في بيان حقوق الزوجين«.‬ ‫- »نهاية الزين بشرح قرّة العين« ، فقه.‬ ‫- »شرح فتح الرحمن« ، تجويد.‬ ‫- »نور الظلم« في شرح قصيدة »عقيدة العوام« لحمد المرزوقي.‬ ‫- »مرقاة صعود التصديق« ، تصوّف ، في شرح »سلّم التوفيق« لبن طاهر المتوفى‬ ‫سنة 2721 ه.‬ ‫- »كاشفة السجا ، في شرح سفينة النجا« ، في أصول الدين والفقه.‬ ‫)1( العلم ، خير الدين الزركلي/ ج 6 ص 813.‬ ‫خطبة المؤلف‬ ‫بسم اللّه الرحمن الرحيم‬ ‫الحمد للّه الذي تواضع كل شيء لعظمته ، وذلّ كل شيء لعزّته ، واستسلم كل شيء‬ ‫لقدرته ، وخضع كل شيء لملكه ، فسبحان اللّه شارع الحكام ، المميز بين الحلل‬
  • 3. ‫3‬ ‫والحرام ، أحمده على ما فتح من غوامض العلوم بإخراج الفهام ، والصلة والسلم‬ ‫على سيدنا محمد الذي أزال بيانه كل إبهام ، وعلى آله وأصحابه أولي المناقب والحلم‬ ‫صلة وسلما دائمين ما دامت اليام. أما بعد ،‬ ‫فيقول أحقر الورى محمد نووي : قد أمرني بعض العزة عندي أن أكتب تفسيرا‬ ‫للقرآن المجيد فترددت في ذلك زمانا طويل خوفا من الدخول في قوله صلّى اللّه عليه‬ ‫وسلّم : »من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ« . »1« وفي‬ ‫قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : »من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار« »2«.‬ ‫فأجبتهم إلى ذلك للقتداء بالسلف في تدوين العلم إبقاء على الخلق وليس على فعلي‬ ‫مزيد ولكن لكل زمان تجديد ، وليكون ذلك عونا لي وللقاصرين مثلي وأخذته من‬ ‫الفتوحات اللهية ومن مفاتيح الغيب ومن السراج المنير ، ومن تنوير المقباس ، ومن‬ ‫تفسير أبي السعود. وسميته مع الموافقة لتاريخه »مراح لبيد لكشف معنى قرآن‬ ‫مجيد« ، وعلى الكريم الفتّاح اعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي. والن أشرع بحسن‬ ‫توفيقه وهو المعين لكل من لجأ به. )1( رواه أبو داود في كتاب العلم ، باب : الكلم‬ ‫في كتاب اللّه بغير علم ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب : 1. وعند أبي داود بلفظ‬ ‫»كتاب اللّه عز وجل« بدل »القرآن«.)2( رواه الترمذي في كتاب التفسير ، ترجمة ،‬ ‫وأحمد في )م 1/ ص 332(.‬ ‫سورة الفاتحة‬ ‫مكية ، سبع آيات ، تسع وعشرون كلمة ، مائة وثلثة وأربعون حرفا بسم اللّه الرحمن‬ ‫الرحيم والسابعة : صِراطَ الّذِينَ إلى آخرها إن كانت البسملة منها وإن لم تكن منها‬ ‫فالسابعة :‬ ‫غَيْرِ الْمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ إلى آخرها ، وهي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم :‬ ‫ْ‬ ‫أحدها : علم الصول وقد جمعت اللهيات في : الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعالَمِينَ الرّحْمنِ الرّحِيمِ‬ ‫والنبوات في : الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَليْهِمْ والدار الخرة في مالِكِ يَوْمِ الدّينِ وثانيها : علم‬ ‫َ‬ ‫الفروع وأعظمه العبادات ، وهي مالية وبدنية وهما مفتقرتان إلى أمور المعاش من‬ ‫المعاملت والمناكحات ، ول بدّ لها من الحكام التي تقتضيها الوامر والنواهي.‬ ‫وثالثها : علم تحصيل الكمالت وهو علم الخلق ومنه الستقامة في الطريقة ، وإلى‬
  • 4. ‫4‬ ‫ذلك الشارة بقوله : وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ. وقد جمعت الشريعة كلها في الصّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.‬ ‫ورابعها : علم القصص والخبار عن المم الخالية وقد جمعت السعداء من النبياء‬ ‫وغيرهم في : الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والشقياء من الكفار في : غَيْرِ الْمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الضّالّينَ.‬ ‫بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ )1( الباء : بهاء اللّه والسين سناؤه فل شيء أعلى منه ،‬ ‫والميم : ملكه وهو على كل شيء قدير. والباء : ابتداء اسمه بارئ بصير. والسين :‬ ‫ابتداء اسمه سميع. والميم : ابتداء اسمه مجيد مليك. واللف : ابتداء اسمه اللّه. واللم :‬ ‫ابتداء اسمه لطيف. والهاء : ابتداء اسمه هادي. والراء : ابتداء اسمه رزاق. والحاء :‬ ‫ابتداء اسمه حليم. والنون : ابتداء اسمه نافع ونور. الْحَمْدُ لِلّهِ والشكر للّه بنعمه‬ ‫السوابغ على عباده الذين هداهم لليمان. رَبّ الْعالَمِينَ )2( أي خالق الخلق ورازقهم‬ ‫ومحوّلهم من حال إلى حال. الرّحْمنِ أي العاطف على البار والفاجر بالرزق ودفع‬ ‫الفات عنهم. الرّحِيمِ )3( أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ويرحمهم في الخرة‬ ‫فيدخلهم الجنة. مالِكِ يَوْمِ الدّينِ )4( بإثبات اللف عند عاصم والكسائي ويعقوب أي‬ ‫متصرف في المر كله يوم القيامة‬ ‫كما قال تعالى : يوْمَ ل تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئا وَالَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ ]النفطار : 91[ وعند‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الباقين بحذف اللف والمعنى أي المتصرف في أمر القيامة بالمر والنهي. إِيّاكَ نعْبُدُ أي‬ ‫َ‬ ‫ل نعبد أحدا سواك. وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ )5( أي بك نستعين على عبادتك فل حول عن‬ ‫المعصية إل بعصمتك ول قوة على الطاعة إل بتوفيقك. اهْدِنَا الصّراطَ الْمُسْتَقِيمَ )6( أي‬ ‫زدنا هداية إلى دين السلم ، أو المعنى أدمنا مهديين إليه. صِراطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‬ ‫أي دين الذين مننت عليهم بالدين من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين. غَيْرِ‬ ‫الْمَغضُوبِ أي غير دين اليهود الذي غضبت علَيْهِمْ وَل الضّالّينَ )7( أي غير دين النصارى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الذين ضلوا عن السلم ويقال : المغضوب عليهم هم الكفار ، والضالون هم‬ ‫المنافقون لن اللّه تعالى ذكر المؤمنين في أول البقرة في أربع آيات ثم ثنّى بذكر‬ ‫الكفار في آيتين ، ثم ثلّث بذكر المنافقين في ثلث عشرة آية. ويسنّ للقارئ بعد فراغه‬ ‫من الفاتحة أن يقول : آمين وهو اسم بمعنى فعل أمر ، وهو استجب.‬
  • 5. ‫5‬ ‫سورة البقرة‬ ‫مدنية ، مائتان وست وثمانون آية ، ستة آلف ومائة وأربع و أربعون كلمة ، ستة‬ ‫وعشرون ألفا ومائتان و واحد وخمسون حرفا‬ ‫الم )1( قال الشعبي وجماعة : الم وسائر حروف الهجاء في أوائل السور من المتشابه‬ ‫الذي انفرد اللّه بعلمه ، وهي سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها ونفوّض العلم فيها إلى‬ ‫اللّه تعالى ، وفائدة ذكرها طلب اليمان بها ، واللّه تعالى اختص بعلم ل تقدر عليه‬ ‫عقول النبياء ، والنبياء اختصوا بعلم ل تقدر عليه عقول العلماء ، والعلماء اختصوا‬ ‫بعلم ل تقدر عليه عقول العامة. وقال أبو بكر رضي اللّه عنه : في كل كتاب سر ، وسر‬ ‫اللّه في القرآن أوائل السور. ذلِكَ الكِتابُ ل رَيْبَ فِيهِ أي هذا الكتاب الذي يقرؤه عليكم‬ ‫ْ‬ ‫رسولي محمد ل شك في أنه من عندي ، فإن آمنتم به هديتكم ، وإن لم تؤمنوا به‬ ‫عذبتكم. هُدىً لِلْمُتّقِينَ )2( أي رحمة لمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. الّذِينَ يُؤْمنُونَ‬ ‫ِ‬ ‫بِالغَيْبِ أي يصدقون بما غاب عنهم من الجنة والنار ، والصراط والميزان ، والبعث‬ ‫ْ‬ ‫والحساب وغير ذلك.‬ ‫وقيل : المراد بالغيب القلب. والمعنى يؤمنون بقلوبهم ل كالذين يقولون بأفواههم ما‬ ‫ليس في قلوبهم. وَيُقِيمُونَ الصّلةَ أي يتمون الصلوات الخمس بالشروط والركان‬ ‫والهيئات.‬ ‫وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ )3( أي مما أعطيناهم من الموال يتصدقون لطاعة اللّه تعالى‬ ‫وهو أبو بكر الصديق وأصحابه. وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِليْكَ من القرآن وَما أُنْزِلَ منْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قَبْلِكَ على سائر النبياء من التوراة والنجيل والزبور وغيرها من سائر الكتب السابقة‬ ‫على القرآن وَبِالخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )4( أي وهم يصدقون بما في الخرة من البعث بعد‬ ‫ْ‬ ‫الموت والحساب ونعيم الجنة وهو عبد اللّه بن سلم وأصحابه. أُولئِكَ أي أهل هذه‬ ‫الصفة عَلى هُدىً أي كرامة نزل مِنْ رَبّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )5( أي الناجون من‬ ‫السخط والعذاب وهم أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ‬ ‫عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ل يؤْمِنُونَ )6( أي الذين كفروا في علم اللّه متساو لديهم‬ ‫ُ‬ ‫إنذارك إياهم بالقرآن وعدمه وهم ل يريدون أن يؤمنوا بما جئت به فل تطمع يا أشرف‬ ‫الخلق في إيمانهم ، ثم ذكر اللّه سبب تركهم اليمان بقوله تعالى : خَتَمَ اللّهُ عَلى‬
  • 6. ‫6‬ ‫قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ أي طبع اللّه على قلوبهم فل يدخلها إيمان وعلى سمعهم فل‬ ‫ينتفعون بما يسمعونه‬ ‫من الحق ووحّد السمع لوحدة المسموع وهو الصوت. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مبتدأ‬ ‫وخبر أي على أعينهم غطاء من عند اللّه تعالى فل ينصرون الحق. وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ )‬ ‫7( أي شديد في الخرة وهم رؤساء اليهود الذين وصفهم اللّه بأنهم يكتمون الحق‬ ‫وهم يعلمون ، وهم كعب بن الشرف وحيي بن أخطب وجدي بن أخطب ، ويقال :‬ ‫هم مشركو أهل مكة عتبة وشيبة والوليد بن المغيرة وأبو جهل. وَمِنَ النّاسِ منْ يَقُولُ‬ ‫َ‬ ‫آمَنّا في السر بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الخِرِ أي بالبعث بعد الموت الذي فيه جزاء العمال. وَما هُمْ‬ ‫ْ‬ ‫بِمُؤْمِنِينَ )8( في السر يُخادِعُونَ اللّهَ أي يكذبونه في السر وَالّذِينَ آمَنُوا أبا بكر وسائر‬ ‫أصحاب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وَما يَخْدَعُونَ أي يكذبون إ ِل أَنْفُسهُمْ وهذه الجملة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫حال من ضمير يخادعون أي يفعلون ذلك ، والحال أنهم ما يضرون بذلك إل أنفسهم‬ ‫فإن دائرة فعلهم مقصورة عليهم.‬ ‫وقرأ عاصم وابن عامر ، وحمزة والكسائي »وما يخدعون« بفتح الياء وسكون الخاء‬ ‫وفتح الدال ، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الخاء مع المد وكسر الدال ، ول خلف في‬ ‫قوله : »يخادعون اللّه« فالجميع قرءوا بضم الياء وفتح الخاء وباللف بعدها وكسر‬ ‫الدال ، وأما الرسم فبغير ألف في الموضعين وَما يَشْعرُونَ )9( أن اللّه يطلع نبيه على‬ ‫ُ‬ ‫كذبهم. فِي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ أي شك وظلمة فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضا مرضا أي شكا وظلمة بما‬ ‫َ‬ ‫أنزله من القرآن لنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكا وخلفا. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي‬ ‫وجيع في الخرة يخلص وجعه إلى قلوبهم بِما كانُوا يَكْذِبُونَ‬ ‫قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالتشديد ، أي بتكذيبهم النبي صلّى اللّه عليه‬ ‫وسلّم ، وقرأ الباقون بتخفيف الذال أي بكذبهم في قولهم : آمنا في السر وهم‬ ‫المنافقون عبد اللّه بن أبي وجد بن قيس ومعتب ابن قشير.‬ ‫وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي لهؤلء المنافقين : ل تُفْسِدُوا فِي الَرْضِ بتعويق الناس عن دين‬ ‫ْ‬ ‫محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قالُوا إِنّما نَحنُ مصْلِحُونَ )11( وإنما قالوا ذلك لنهم‬ ‫ْ ُ‬ ‫تصوّروا الفساد بصورة الصلح لما في قلوبهم من المرض قال اللّه تعالى ردا عليهم‬
  • 7. ‫7‬ ‫أبلغ رد أَل أي بلى إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ لها بالتعويق وَلكِنْ ل يَشْعُرُونَ )21( أن اللّه‬ ‫تعالى يطلع نبيه على فسادهم. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم‬ ‫والقرآن أي إن المؤمنين نصحوا المنافقون من وجهين :‬ ‫أحدهما : النهي عن الفساد وهو التخلي عن الرذائل.‬ ‫وثانيهما : المر باليمان وهو التحلي بالفضائل كَما آمَنَ النّاسُ أي الكاملون في‬ ‫النسانية ، العاملون بقضية العقل كأصحاب النبي أو كعبد اللّه بن سلم وغيره من‬ ‫مؤمني أهل الكتاب. والمعنى آمنوا إيمانا مقرونا بالخلص متمحضا عن شوائب النفاق‬ ‫مماثل ليمانهم قالُوا فيما بينهم ل بحضرة المسلمين أَنؤْمِنُ بمحمد صلّى اللّه عليه‬ ‫ُ‬ ‫وسلّم كَما آمنَ السّفَهاءُ أي الجهال‬ ‫َ‬ ‫وإنما سفّهوا المؤمنين لتحقير شأنهم ، لن أكثرهم فقراء وبعضهم موال كصهيب وبلل‬ ‫أو لعدم المبالة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد اللّه بن سلم وأصحابه قال اللّه‬ ‫تعالى ردا عليهم أبلغ رد أَل أي بلى إِنهُمْ هُمُ السّفَهاءُ أي الجهال الخرقى وَلكِنْ ل‬ ‫ّ‬ ‫يَعْلَمُونَ )31( أنهم سفهاء وَإِذا لَقُوا أي المنافقون الّذِينَ آمَنُوا أبا بكر وأصحابه قالُوا آمَنّا‬ ‫في السر كإيمانكم وَإِذا خَلوْا أي عادوا إِلى شَياطِينِهِمْ أي أكابرهم الذين يقدرون على‬ ‫َ‬ ‫الفساد في الرض وهم خمسة نفر : كعب بن الشرف من اليهود بالمدينة ، وأبو بردة‬ ‫في بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد اللّه بن‬ ‫السود بالشام.‬ ‫قالُوا لهم لئل يتوهموا فيهم المباينة إِنّا مَعَكُمْ أي على دينكم في السر إِنّما نَحْنُ في‬ ‫إظهار اليمان عند المؤمنين مُسْتَهْزِؤُنَ )41( بهم من غير أن يخطر ببالنا اليمان حقيقة‬ ‫اللّهُ يَسْتَهزِئُ بِهِمْ أي اللّه يعاملهم معاملة المستهزئ في الدنيا وفي الخرة ، أما في‬ ‫ْ‬ ‫الدنيا فلنه تعالى أطلع الرسول على أسرارهم مع أنهم كانوا يبالغون في إخفائها‬ ‫عنه ، وأما في الخرة فقال ابن عباس : إذا دخل المؤمنون الجنة والكافرون النار فتح‬ ‫اللّه من الجنة بابا على الجحيم في الموضع الذي هو مسكن المنافقين ، فإذا رأى‬ ‫المنافقون الباب مفتوحا خرجوا من الجحيم ويتوجهون إلى الجنة ، وأهل الجنة ينظرون‬ ‫إليهم فإذا وصلوا إلى باب الجنة سدّ عليهم الباب ، وذلك قوله تعالى : فَالْيوْمَ الّذِينَ‬ ‫َ‬ ‫آمَنُوا منَ الْكُفّارِ يضْحَكُونَ ]المطففين : 92[ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ أي يزيدهم في‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
  • 8. ‫8‬ ‫ضللتهم يعْمَهُونَ )51( أي يترددون في الكفر وتركه متحيّرين أُولئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا‬ ‫َ‬ ‫الضّللَةَ بِالْهُدى أي أولئك الموصوفون بالصفات السابقة من قوله : ومن النّاس اختاروا‬ ‫الكفر على اليمان فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أي فلم يربحوا في تجارتهم بل خسروا وَما كانُوا‬ ‫مُهْتَدِينَ )61( إلى طرق التجارة ، فإن المقصود منها سلمة رأس المال والربح ،‬ ‫وهؤلء قد أضاعوهما.‬ ‫فرأس مالهم العقل الصرف ، وربحه الهدى مثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوقَدَ نارا أي صفة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫المنافقين في حال نفاقهم كصفة الذي أوقد نارا في ظلمة لكي يأمن بها على نفسه‬ ‫وأهله وماله ، فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ أي فلما أضاءت النار المكان الذي حول المستوقد‬ ‫فأبصر وأمن مما يخافه ذهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ أي أطفأ اللّه النور المقصود باليقاد فبقي‬ ‫َ‬ ‫المستوقدون في ظلمة وخوف ، وَتَرَكَهُمْ أي المستوقدين فِي ظُلُماتٍ ظلمة الليل ،‬ ‫وظلمة تراكم الغمام فيه ، وظلمة انطفاء النار ل يُبْصرُونَ )71( ما حولهم ، فكذلك‬ ‫ِ‬ ‫هؤلء المنافقون أمنوا على أنفسهم وأولدهم وأموالهم بسبب إظهار كلمة اليمان ،‬ ‫فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب وهم في القبر وما بعده صُمّ عن الحق فل‬ ‫يسمعونه سماع قبول بُكْمٌ عن الخير فل يقولونه قول مطابقا للواقع لما سبق أنهم‬ ‫مؤمنون ظاهرا عُميٌ عن طريق الهدى فل يرونه رؤية نافعة فَهُمْ ل يَرْجِعُونَ )81( عن‬ ‫ْ‬ ‫كفرهم وضللتهم أَوْ كَصَيّبٍ أو صفة المنافقين كصفة أصحاب مطر نازل منَ السّماءِ أي‬ ‫ِ‬ ‫السحاب ليل وهم‬ ‫في مفازة فِيهِ أي الصيب ظُلُماتٌ ظلمة تكاثفه بتتابع القطر ، وظلمة إظلل الغمامة مع‬ ‫ظلمة الليل. وَرَعْدٌ وهو صوت يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب إذا‬ ‫أخذتها الريح فتصوت عند ذلك من الرتعاد وَبَرْقٌ وهو ما يلمع من السحاب. يَجعَلُونَ أي‬ ‫ْ‬ ‫أصحاب الصيب أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصّواعِقِ أي من أجل الصيحة الشديدة من‬ ‫صوت الرعد يكون معها قطعة نار حَذَرَ الْموْتِ من سماعها فكذلك هؤلء المنافقون إذا‬ ‫َ‬ ‫نزل القرآن المشبّه بالمطر في أن كل سبب الحياة ، وفيه ذكر الكفر المشبّه بالظلمات‬ ‫وعدم الهتداء ، وذكر الوعيد على الكفر المشبه بالرعد في إزعاجه وإرهابه ، وذكر‬ ‫الحجج البيّنة المشبّهة بالبرق في ظهوره.‬ ‫يسدون آذانهم من سماع القرآن حذر الميل إلى اليمان الذي هو بمنزلة الموت عندهم‬
  • 9. ‫9‬ ‫، فإن ترك الدين موت وَاللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ )91( علما وقدرة فل يفوتونه تعالى لن‬ ‫المحاط ل يفوت المحيط يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلّما أَضاءَ أي البرق لَهُمْ مَشَوْا‬ ‫فِيهِ أي في ضوء البرق وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أي بقوا في الظلمة ، وهذا تمثيل لزعاج‬ ‫ما في القرآن قلوبهم باختطاف البرق بأبصارهم ولتصديقهم لما يحبونه من تحصيل‬ ‫الغنيمة وعصمة الدماء والموال بمشيهم في البرق ، ولوقوفهم لما يكرهون من‬ ‫التكاليف الشاقة عليهم كالصلة والصوم بوقوفهم في الظلمة.‬ ‫وَلَوْ شاءَ اللّهُ أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ بقصيف الرعد وَأَبْصارِهِمْ‬ ‫بوميض البرق ، كذلك لو شاء اللّه لذهب بسمع المنافقين بزجر ما في القرآن ووعيد ما‬ ‫فيه وأبصارهم بالبيان إِنّ اللّهَ عَلى كُلّ شيْءٍ أي ممكن من ذهاب السمع والبصر قَدِيرٌ‬ ‫َ‬ ‫)02(.‬ ‫قال الفخر الرازي : وأضاء إما متعد بمعنى كلما نور لهم مسلكا أخذوه ، وإما غير متعد‬ ‫بمعنى كلما لمع لهم مشوا فيه بطرح نوره ويقويه قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء.‬ ‫يا أَيّهَا النّاسُ أي يا أهل مكة أو يا أيها اليهود اعْبُدُوا رَبّكُمُ أي وحّدوه بالعبادة. الّذِي‬ ‫خَلَقَكُمْ نسما من النطفة وَالّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ أي أنشأهم ولم يكونوا شيئا لَعَلكُمْ تَتّقُونَ )‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫12( أي لكي تتقوا السخط والعذاب بعبادته ، ولعل للطماع ، لكن الكريم الرحيم إذا‬ ‫أطمع أجرى أطماعه مجرى وعده المحتوم ، فلهذا السبب قيل : لعل في كلم اللّه‬ ‫تعالى بمعنى كي الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَرْضَ فِراشا أي بساطا وَالسّماءَ بِناءً أي سقفا‬ ‫ْ‬ ‫مرفوعا وعبّر عنه بالبناء لحكامه وَأَنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً وعن خالد بن معدان قال :‬ ‫المطر ماء يخرج من تحت العرش ، فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء‬ ‫الدنيا ، فيجتمع في موضع ، فتجيء السحاب السود فتدخله ، فتشربه ، فيسوقها اللّه‬ ‫حيث شاء. فأَخْرَجَ بِهِ منَ الثّمَراتِ رِزْقا لَكُمْ أي أنبت اللّه بالمطر من ألوان الثمرات‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫طعاما لكم ولسائر الخلق فَل تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْدادا أي شركاء في العبادة وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )‬ ‫22( أن النداد ل تماثله ول تقدر على مثل ما يفعله أو يقال : وأنتم تعلمون أنه ليس‬ ‫في التوراة والنجيل جواز اتخاذ النداد وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزلْنا عَلى عَبْدِنا محمد‬ ‫ّ‬ ‫من القرآن في أنه من‬
  • 10. ‫01‬ ‫عند نفسه فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي مما هو على صفة ما نزلنا في الفصاحة وحسن‬ ‫النظم والخبار بالغيوب. وَادعُوا شُهَداءَكُمْ منْ دُونِ اللّهِ أي ادعوا أكابركم من غيره‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫تعالى ممن يوافقكم في إنكار أمر محمد ليعينوكم على المعارضة وليحكموا لكم‬ ‫وعليكم فيما يمكن ويتعذر ، وقد كان في العرب أكابر يشهدون على المتنازعين في‬ ‫الفصاحة بأن أحدهما أعلى درجة من الخر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )32( في مقالتكم أن‬ ‫محمدا يقول من تلقاء نفسه فإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي لم تأتوا بسورة من مثل المنزل وَلَنْ‬ ‫َ‬ ‫تَفْعَلُوا أي لن تقدروا أن تجيئوا بمثله فَاتّقُوا النّارَ والمعنى إذا ظهر عجزكم عن‬ ‫المعارضة صحّ عندكم صدق محمد عليه السلم ، وإذا صح ذلك فاتركوا العناد ، وإذا‬ ‫لزمتم العناد استوجبتم العقاب بالنار الّتِي وقُودُهَا النّاسُ أي حطبها الكفار وَالْحِجارَةُ‬ ‫َ‬ ‫المعبودة لهم. قال تعالى : إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم. أُعِدّتْ أي‬ ‫هيئت تلك النار لِلْكافرِينَ )42( بما نزّلناه وجعلت عدة لعذابهم وَبَشّرِ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا‬ ‫ِ‬ ‫الصّالِحاتِ أي الطاعات أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ أي بساتين ذات شجر ومساكن والمأمور بالبشارة‬ ‫إما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ، وإما كل أحد يقدر على البشارة ، وهذا أحسن‬ ‫كما‬ ‫قال صلّى اللّه عليه وسلّم : »بشّر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم‬ ‫القيامة«‬ ‫»1« ولم يأمر صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك واحدا بعينه.‬ ‫وقرأ زيد بن علي »وبشّر« بلفظ المبني للمفعول عطفا على »أعدت«. تَجرِي منْ تَحْتِهَا‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫أي من تحت شجرها ومساكنها الَنْهارُ أي أنهار الخمر واللبن والعسل والماء وعن‬ ‫ْ‬ ‫مسروق أنهار الجنة تجري في غير أخدود كُلّما رُزِقُوا مِنْها منْ ثَمَرَةٍ رِزْقا أي كل حين‬ ‫ِ‬ ‫رزقوا مرزوقا من الجنات من نوع ثمرة قالُوا هذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبلُ أي هذا مثل الذي‬ ‫ْ‬ ‫أطعمنا في الجنة من قبل هذا الذي أحضر إلينا قال تعالى تصديقا في تلك الدعوى :‬ ‫وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِها أي أتتهم الملئكة والولدان برزق الجنة متشابها بعضه بعضا في اللون‬ ‫مختلفا في الطعم وَلهُمْ فِيها أي الجنات أَزْواجٌ من الحور والدميات مُطَهّرَةٌ من الحيض‬ ‫َ‬ ‫وجميع القذار ، ومن دنس الطبع وسوء الخلق وَهُمْ فِيها خالِدُونَ )52( أي دائمون ل‬ ‫يموتون ول يخرجون إِنّ اللّهَ ل يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثَل ما أي إن اللّه ل يترك أن يبين‬ ‫َ ً‬
  • 11. ‫11‬ ‫للخلق مثل أيّ مثل كان بَعُوضَةً فَما فوْقَها في الذات كالذباب والعنكبوت أو في الغرض‬ ‫َ‬ ‫المقصود من التمثيل كجناح البعوضة ، وكيف يستحي اللّه من ذكر شيء لو اجتمع‬ ‫الخلئق كلهم على تخليقه وما قدروا عليه. والمراد بالبعوضة هنا :‬ ‫»الناموس« وهو من عجيب خلق اللّه تعالى فإنه في غاية الصغر ، وله ستة أرجل‬ ‫وأربعة أجنحة ، وذنب وخرطوم مجوف ، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد‬ ‫الفيل والجاموس ، والجمل فيبلغ منه الغاية ، حتى إن الجمل يموت من قرصته. فَأَمّا‬ ‫الّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ أي‬ ‫__________‬ ‫)1( رواه الهيثمي في مجمع الزوائد )2 : 03( ، والطبراني في المعجم الكبير )21 :‬ ‫853(.‬ ‫ضرب المثل الْحقّ أي الثابت مِنْ رَبّهِمْ فل يسوغ إنكاره لنه ليس عبثا بل هو مشتمل‬ ‫َ‬ ‫على السرار والفوائد وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُوا من اليهود فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَل تمييز‬ ‫ً‬ ‫نسبة من اسم الشارة. أي أيّ فائدة في هذا المثل قال اللّه تعالى في جوابهم : يُضلّ‬ ‫ِ‬ ‫بِهِ أي بهذا المثل عن الدين كَثِيرا من اليهود وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرا من المؤمنين وَما يُضلّ بِهِ إ ِل‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫الْفاسِقِينَ )62( أي الخارجين عن حد اليمان. الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ هو الحجة‬ ‫القائمة على عباده الدالة على وجوب وجوده ووحدانيته وعلى وجوب صدق رسله مِنْ‬ ‫بَعْدِ مِيثاقِهِ أي توكيده وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصلَ فاللّه أمرهم أن يصلوا حبلهم‬ ‫َ‬ ‫بحبل المؤمنين فهم انقطعوا عن المؤمنين واتصلوا بالكفار وَيُفْسِدُونَ فِي الَرْضِ‬ ‫ْ‬ ‫بتعويق الناس عن اليمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم والقرآن. أُولئِكَ الموصوفون‬ ‫بنقض العهد وما بعده هُمُ الْخاسِرُونَ )72( أي المغبونون بذهاب حسناتهم التي‬ ‫عملوها ، وبذهاب نعيم الجنة الذي لو أطاعوا اللّه لوجوده. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَالحال‬ ‫أنكم وَكُنْتُمْ أَمْواتا أجساما ل حياة لها ، نطفا وعلقا ، ومضغا فَأَحْياكُمْ بنفخ الرواح فيكم‬ ‫ثُمّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم ثُمّ يُحْيِيكُمْ بالنشور ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )82( بعد الحشر‬ ‫فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.‬ ‫والمعنى ثم إليه تنشرون من قبوركم للحساب هوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ أي لجل انتفاعكم‬ ‫ُ‬ ‫في الدين والدنيا بالستدلل على موجدكم ، وإصلح البدان ما فِي الَرْضِ جَمِيعا ثُمّ‬ ‫ْ‬
  • 12. ‫21‬ ‫اسْتَوى أي قصد إِلَى خلق السّماءِ أي تعلقت إرادته تعلقا حادثا بترجيح وجود السماء‬ ‫على عدمها ، فتعلقت القدرة بإيجادها ، فَسَوّاهنّ أي فجعل السماء سَبْعَ سَماواتٍ‬ ‫ُ‬ ‫والحاصل أن اللّه تعالى خلق الرض من غير بسط في يومين ، ثم خلق السموات‬ ‫السبع مبسوطة في يومين ، ثم خلق ما في الرض مما ينتفع به في يومين. وعن ابن‬ ‫مسعود قال : إن اللّه تعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء ، فلما‬ ‫أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسماه سماء ، ثم أيبس‬ ‫الماء فجعله أرضا واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الحد والثنين ،‬ ‫فجعل الرض على حوت ، والحوت في الماء على صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ،‬ ‫والملك على الصخرة ، والصخرة على الريح فتحرك الحوت ، فتزلزلت الرض ، فأرسى‬ ‫عليها الجبال ، فقرت. فالجبال تفتخر على الرض. وَهوَ بِكلّ شيْءٍ عَلِيمٌ )92( فل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يمكن أن يكون خالقا للرض وما فيها ، وللسموات وما فيها من العجائب والغرائب إل‬ ‫إذا كان عالما بها محيطا بجزئياتها وكلياتها. وَإِذْ قالَ رَبّكَ لِلْمَلئِكَةِ فإذا نصب بإضمار‬ ‫اذكر.‬ ‫وقيل : زائدة. وقيل : بمعنى قد. ويجوز أن ينتصب بقالوا : أتجعل أي قالوا ذلك القول‬ ‫وقت قول اللّه تعالى : إِنّي جاعِلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً ]البقرة : 3[.‬ ‫ْ‬ ‫روى الضحاك عن ابن عباس : إنه تعالى إنما قال هذا القول للملئكة الذين كانوا في‬ ‫الرض محاربين مع إبليس ، لن اللّه تعالى لما أسكن الجن الرض فأفسدوا فيها ،‬ ‫وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا بعث اللّه إبليس في جند من الملئكة فقتلهم‬ ‫إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الرض وألحقوهم بجزائر البحر. وهؤلء خزّان‬ ‫الجنان أنزلهم اللّه من السماء إلى الرض لطرد الجن إلى الجزائر والجبال وسكنوا‬ ‫الرض فخفّف اللّه عنهم العبادة وكان إبليس يعبد اللّه تارة في الرض وتارة في‬ ‫السماء ، وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه : ما أعطاني اللّه هذا الملك إل‬ ‫لني أكرم الملئكة عليه. فقال تعالى له ولجنده : إِنّي جاعِلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً أي بدل‬ ‫ْ‬ ‫منكم ورافعكم إليّ فكرهوا ذلك لنهم كانوا أهون الملئكة عبادة. والمراد به آدم عليه‬ ‫السلم قالُوا استكشافا عمّا خفي عليهم من الحكمة ل اعتراضا على اللّه تعالى ول‬ ‫طعنا في بني آدم على طريق الغيبة : أَتَجْعلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي بمقتضى‬ ‫َ‬
  • 13. ‫31‬ ‫القوة الشهوانية وَيَسْفِكُ الدّماءَ بالظلم بمقتضى القوة الغضبية - فغفلوا عن مقتضى‬ ‫القوة العقلية التي بها يحصل الكمال والفضل - وَنَحْنُ نُسَبّحُ أي ننزهك عن كل ما ل‬ ‫يليق بشأنك ملتبسين بِحَمْدِكَ على ما أنعمت به علينا من فنون النعم ، التي من جملتها‬ ‫توفيقنا لهذه العبادة. فالتسبيح لظهار صفات الجلل ، والحمد لتذكير صفات النعام‬ ‫وَنُقَدّسُ لَكَ أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزّة ، وننزهك عما ل يليق بك. وقيل :‬ ‫المعنى نطهّر نفوسنا عن الذنوب لجلك ، أي فنحن أحق بالستخلف قالَ تعالى : إِنّي‬ ‫أَعْلَمُ ما ل تَعْلَمُونَ )03( من مصلحة استخلف آدم عليه السلم.‬ ‫وَعَلّمَ آدَمَ الَسْماءَ كُلّها أي أسماء كل ما خلق اللّه من أجناس المحدثات من جميع‬ ‫ْ‬ ‫اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم ثُمّ عَرَضَهُمْ أي ذوات الشياء عَلَى‬ ‫الْمَلئِكَةِ بأن صور اللّه الشياء في قلوبهم فصارت كأنهم شاهدوها ، أو خلق اللّه‬ ‫تعالى معاني السماء التي علّمها آدم حتى شاهدتها الملئكة فَقالَ تعالى لهم توبيخا :‬ ‫أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلءِ المسميات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )13( في زعمكم أنكم حق‬ ‫بالخلفة ممن استخلفته. قالُوا إقرارا بالعجز : سُبْحانَكَ أي تبنا إليك من ذلك القول ل‬ ‫عِلْمَ لَنا إ ِل ما عَلّمْتَنا أي وإنما قالوا :‬ ‫ّ‬ ‫أتجعل فيها من يفسد فيها ، لن اللّه تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا : إنك أعلمتنا أنهم‬ ‫يفسدون في الرض ويسفكون الدماء. فقلنا لك : أتجعل فيها من يفسد فيها ، وأما‬ ‫هذه السماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ أي الذي ل يخرج عن‬ ‫علمه شيء ، الْحَكِيمُ )23( أي المحكم لصنعته قالَ تعالى : يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ أي أخبر‬ ‫الملئكة بِأَسْمائِهِمْ أي المسميات فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ مفصلة وبيّن لهم أحوال كل من‬ ‫المسميات وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد قالَ اللّه تعالى لهم موبخا :‬ ‫أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السّماواتِ وَالَرْضِ أي أعلم غيب ما يكون فيهما وَأَعْلَمُ ما‬ ‫ْ‬ ‫تُبْدُونَ أي تظهرون من قولكم :‬ ‫أتجعل فيها إلى آخره وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )33( أي من استبطانكم أنكم أحقاء بالخلفة.‬ ‫وروى الشعبي عن ابن عباس وابن مسعود : أن المراد بقوله تعالى : ما تُبْدُونَ‬ ‫قولهم :‬ ‫» أ تجعل فيها من يفسد فيها« وبقوله : وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ما أسرّ إبليس في نفسه من‬
  • 14. ‫41‬ ‫الكبر ومن أن ل يسجد. وقيل : لما خلق اللّه تعالى آدم رأت الملئكة خلقا عجيبا ،‬ ‫فقالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إل كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموه. وَإِذْ‬ ‫قُلْنا لِلْمَلئِكَةِ اسْجُدُوا لدَمَ سجود تعظيم لدم من غير وضع الجهة على الرض‬ ‫ِ‬ ‫فَسَجَدُوا إ ِل إِبْلِيسَ أَبى عن أمر اللّه وَاسْتَكْبَرَ أي تعاظم عن السجود لدم وَكانَ مِنَ‬ ‫ّ‬ ‫الْكافِرِينَ )43( أي صار من الكافرين بإبائه عن أمر اللّه.‬ ‫ويقال : إن إبليس حين اشتغاله بالعبادة كان منافقا كافرا ، وهذا السجود كان قبل‬ ‫دخول آدم الجنة. وروي أن بني آدم عشر : الجن ، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر ،‬ ‫وهؤلء كلهم عشر الطيور ، وهؤلء كلهم عشر حيوانات البحر ، وهؤلء كلهم عشر‬ ‫ملئكة الرض الموكلين بها ، وكل هؤلء عشر ملئكة سماء الدنيا وكل هؤلء عشر‬ ‫ملئكة السماء الثانية. وعلى هذا الترتيب إلى ملئكة السماء السابعة ، ثم الكل في‬ ‫مقابلة ملئكة الكرسي نزر قليل ، ثم كل هؤلء عشر ملئكة السرادق الواحد من‬ ‫سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت‬ ‫به السموات والرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئا يسيرا وقدرا صغيرا ، وما‬ ‫من مقدار موضع قدم إل وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم لهم ، زجل بالتسبيح‬ ‫والتقديس ، ثم كل هؤلء في مقابلة الملئكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة‬ ‫في البحر ول يعلم عددهم إل اللّه ، ثم مع هؤلء ملئكة اللوح الذين هم أشياع‬ ‫إسرافيل عليه السلم والملئكة الذي هم جنود جبريل عليه السلم وكلهم مشتغلون‬ ‫بعبادته تعالى ل يحصي أجناسهم ول مدة أعمارهم ول كيفية عبادتهم إل اللّه تعالى.‬ ‫وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ حواء الْجَنّةَ وَكُل مِنْها أكل رَغَدا أي واسعا لذيذا حَيْثُ‬ ‫ُ‬ ‫شِئْتُما أي في أيّ مكان أردتما منها ، وَل تَقْرَبا هذِهِ الشّجَرَةَ.‬ ‫روي أن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن‬ ‫الشجرة فقال : »هي الشجرة المباركة السنبلة«‬ ‫. وعن مجاهد وقتادة : هي التين. وعن يزيد بن عبد اللّه : هي الترج ، وعن ابن‬ ‫عباس : هي شجرة العلم عليها من كل لون وفن. فَتكُونا مِنَ الظّالِمِينَ )53( أي‬ ‫َ‬ ‫فتصيرا من الضارين لنفسكما. ويقال : من الذين وضعوا أمر اللّه تعالى في غير‬ ‫موضعه فَأَزَلّهُمَا الشّيْطانُ أي أزلقهما إبليس عَنْها أي الجنة.‬ ‫وقرأ حمزة بألف بعد الزاي ، والباقون بغير ألف وتشديد اللم فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ‬
  • 15. ‫51‬ ‫أي من الرغد. وقُلْنَا لدم وحواء وإبليس : اهْبِطُوا انزلوا إلى الرض ، فهبط آدم بسر‬ ‫َ‬ ‫نديب من أرض الهند على جبل يقال له : نود ، وهبطت حواء بجدة ، وإبليس بالبلة من‬ ‫أعمال البصرة‬ ‫بَعْضُكُمْ لِبَعضٍ عَدُوّ قال اللّه تعالى : إِنّ الشّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبِينٌ ]العراف : 22[ ،‬ ‫ْ‬ ‫وَلَكُمْ فِي الَرْضِ مُسْتَقرّ أي منزل وَمَتاعٌ أي منفعة ومعاش إِلى حِينٍ )63( أي إلى‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وقت الموت فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِماتٍ أي حفظ آدم من ربه كلمات لكي تكون سببا له‬ ‫ولولده إلى التوبة.‬ ‫وقرأ ابن كثير بنصب »آدم« ، ورفع »كلمات« أي جاءته عن اللّه تعالى كلمات. قال‬ ‫سعيد بن جبير عن ابن عباس : »إنها ل إله إل أنت سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا ،‬ ‫وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين ، ل إله إل أنت سبحانك وبحمدك ،‬ ‫عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين ، ل إله إل أنت سبحانك‬ ‫وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم«.‬ ‫وقال مجاهد وقتادة هي : »ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من‬ ‫الخاسرين«. فَتابَ عَليْهِ أي رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة إِنّهُ هُوَ التوّابُ أي الرجاع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫على عباده بالمغفرة. الرّحِيمُ )73( أي البالغ في الرحمة لمن مات على التوبة. قُلْنَا‬ ‫اهْبِطُوا مِنْها أي الجنة جَمِيعا إما في زمان واحد أو في أزمنة متفرقة. وفائدة تكرير‬ ‫المر بالهبوط أن آدم وحواء لما آتيا بالزلة أمرا بالهبوط فتابا بعد المر به ، ووقع في‬ ‫قلبهما أن المر به لما كان بسبب الزلة فبعد التوبة ل يبقى المر به ، فأعاد اللّه المر به‬ ‫مرة ثانية ليعلما أن المر به باق بعد التوبة ، لن المر به كان تحقيقا للوعد المتقدم في‬ ‫قوله تعالى : إِنّي جاعلٌ فِي الَرْضِ خَلِيفَةً ]البقرة : 03[ وعلى هذا فالجمع لثنين‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫فقط آدم وحواء ، ويحتمل كون الجمع لهما ولولديهما قابيل وإقليما بناء على القول‬ ‫بأنهما ولدا في الجنة ، ولعل عدم ذكرهما كونهما تابعين لبويهما. وكان قابيل قد‬ ‫غضبه أبواه لقتله هابيل فإِمّا يَأْتِيَنّكُمْ يا ذرية آدم منّي هُدىً دللة كدليل العقل والنقل ،‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و»إن« للشرطية أدغمت في »ما« الزائدة للتأكيد فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ بأن تأمل الدلة بحقها‬ ‫واستنتج المعارف منها فَل خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب وَل هُمْ يَحزَنُونَ )‬ ‫ْ‬ ‫83( على ما فاتهم من الدنيا.‬
  • 16. ‫61‬ ‫ويقال : فل خوف عليهم إذا ذبح الموت ول هم يحزنون إذا أطبقت النار ، وزوال‬ ‫الخوف يتضمن السلمة من جميع الفات ، وزوال الحزن يقتضي الوصول إلى كل‬ ‫اللذات والمرادات ، وهذا يدل على أن المكلف الذي أطاع اللّه تعالى ل يلحقه خوف‬ ‫في القبر وعند البعث وعند حضور الموقف ، وعند تطاير الكتب ، وعند نصب الميزان‬ ‫وعند الصراط وَالّذِينَ كَفَرُوا برسلنا المرسلة إليهم وَكَذّبُوا بِآياتِنا المنزّلة عليهم سواء‬ ‫كانوا من النس أو من الجن أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ أي أهل النار وملزموها بحيث ل‬ ‫يفارقونها. هُمْ فِيها خالِدُونَ )93( أي دائمون ل يخرجون منها ول يموتون فيها يا بَنِي‬ ‫إِسْرائِيلَ أي يا أولد يعقوب ، وهذا خطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من‬ ‫أولد يعقوب عليه السلم في أيام سيدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ‬ ‫الّتِي أَنعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي على آبائكم من النجاء من فرعون وفلق البحر ، وتظليل الغمام‬ ‫ْ‬ ‫في التيه ،‬ ‫وإنزال المنّ والسلوى فيه ، وإعطاء الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاؤوا‬ ‫من الماء متى أرادوا ، وإعطاء عمود من النور ليضيء لهم بالليل وجعل رؤوسهم ل‬ ‫تتشعث ، وثيابهم ل تبلى ، وجعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط ، وإنزال‬ ‫الكتب العظيمة التي ما أنزلها اللّه على أمة سواهم أي أقيموا بشكر تلك النعمة. وَأَوْفُوا‬ ‫بِعَهْدِي أي أوفوا بما أمرتكم به من الطاعات ونهيتكم عنه من المعاصي ومن الوفاء‬ ‫بالمر اليمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أي أرض عنكم وأدخلكم‬ ‫الجنة. وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ )04( فيما تأتون وتتركون. واعلم أن كل من كان خوفه في الدنيا‬ ‫أشد كان أمنه يوم القيامة أكثر ، وبالعكس.‬ ‫روي أنه ينادي مناد يوم القيامة : »وعزتي وجللي أني ل أجمع على عبدي خوفين ول‬ ‫أمنين من أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة ومن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة«.‬ ‫وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ من القرآن مصَدّقا أي موافقا بالتوحيد وصفة محمد صلّى اللّه عليه‬ ‫ُ‬ ‫وسلّم وبعض الشرائع لِما مَعَكُمْ من التوراة وَل تَكُونُوا أَوّلَ كافِرٍ بِهِ أي بالقرآن من‬ ‫اليهود فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قدم المدينة وفيها قريظة والنضير فكفروا به‬ ‫صلّى اللّه عليه وسلّم ثم تتابعت سائر اليهود على ذلك الكفر. ويقال : ول تكونوا أول‬ ‫من جحد مع المعرفة لن كفر قريش كان من الجهل ل مع المعرفة. وَل تَشْتَرُوا بِآياتِي‬
  • 17. ‫71‬ ‫أي بكتمان صفة محمد ثَمَنا قَلِيل أي عوضا يسيرا. وذلك لن رؤساء اليهود مثل كعب بن‬ ‫ً‬ ‫الشرف وحيي بن أخطب وأمثالهما كانوا يأخذون من سفلة اليهود الهدايا ، وعلموا أنهم‬ ‫لو اتبعوا محمدا لنقطعت عنهم تلك الهدايا فأصروا على الكفر لئل ينقطع عنهم ذلك‬ ‫القدر المحقّر ، وذلك لن الدنيا كلها بالنسبة إلى الدين قليلة جدا ، ثم تلك الهدايا كانت‬ ‫في نهاية القلة بالنسبة إلى الدنيا وَإِيّايَ فَاتّقُونِ )14( أي فخافوني في شأن هذا النبي‬ ‫صلّى اللّه عليه وسلّم.‬ ‫وَل تَلْبِسُوا الْحقّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقّ والباء للستعانة والمعنى ول تخلطوا الحق‬ ‫َ‬ ‫بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين ، وذلك لن النصوص الواردة في التوراة‬ ‫والنجيل في أمر محمد كانت نصوصا خفية يحتاج في معرفتها إلى الستدلل ، ثم إنهم‬ ‫كانوا يجادلون فيها ويشوشون وجه الدللة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات‬ ‫وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )24( ما في إضلل الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة ،‬ ‫وذلك لن التلبيس صار صارفا للخلق عن قبول الحق إلى يوم القيامة ، وداعيا لهم إلى‬ ‫الستمرار على الباطل إلى يوم القيامة ، ثم ذكر اللّه لزوم الشرائع عليهم بعد اليمان.‬ ‫وَأَقِيمُوا الصّلةَ أي أتموا الصلوات الخمس وَآتُوا الزّكاةَ أي أعطوا زكاة أموالكم وَارْكَعُوا‬ ‫مَعَ الرّاكِعِينَ )34( أي صلوا الصلوات الخمس مع المصلين محمد وأصحابه في‬ ‫جماعتهم ، وخصّ اللّه الركوع بالذكر تحريضا لليهود على التيان بصلة المسلمين فإن‬ ‫اليهود ل ركوع في صلتهم فكأنه تعالى قال : صلوا الصلة ذات الركوع في جماعة‬ ‫أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.‬ ‫روي عن ابن عباس أنه قال : إن أحبار المدينة إذا جاءهم أحد في الخفية لستعلم‬ ‫أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا : هو صادق فيما يقول وأمره حقّ فاتبعوه ،‬ ‫وهم كانوا ل يتبعونه لطمعهم في الهدايا والصلت التي كانت تصل إليهم من أتباعهم.‬ ‫ويقال : إن جماعة من اليهود كانوا مبعث الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم يخبرون‬ ‫مشركي العرب أن رسول سيظهر منكم ويدعو إلى الحق وكانوا يرغبونهم في اتباعه ،‬ ‫فلما بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم حسدوه وكفروا به فبكتهم اللّه تعالى بذلك‬ ‫فقال : وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أي التوراة الناطقة بنعوت محمد صلّى اللّه عليه وسلّم أَفَل‬ ‫تَعْقِلُونَ )44( أي أتتلونه فل تعقلون ما فيه وَاسْتَعِينُوا أيها اليهود على ترك ما تحبون من‬
  • 18. ‫81‬ ‫الدنيا وعلى الدخول فيما تستثقله طباعكم من قبول دين محمد صلّى اللّه عليه وسلّم‬ ‫بِالصّبْرِ أي بحبس النفس عن اللذات وَالصّلةِ فإنها جامعة لنواع العبادات وَإِنّها أي‬ ‫الصلة لَكَبِيرَةٌ أي لشاقة إ ِل عَلَى الْخاشِعِينَ )54( أي المائلين إلى الطاعة الّذِينَ يَظُنّونَ‬ ‫ّ‬ ‫أَنّهُمْ مُلقُوا رَبّهِمْ بالموت في كل لحظة وذلك لن كل من كان منتظرا للموت في كل‬ ‫لحظة ، ل يفارق قلبه الخشوع ، فهم يبادرون إلى التوبة لن خوف الموت مما يقوي‬ ‫دواعي التوبة.‬ ‫وَأَنّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ )64( في الخرة فيجازيهم بأعمالهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتيَ‬ ‫ِ‬ ‫الّتِي أَنعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ )74( أي واذكروا أني فضلت آباءكم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫على الموجودين في زمانهم ل على من مضى ول على من يوجد بعدهم ، وأيضا‬ ‫معنى تفضيلهم على جميع العوالم أن اللّه تعالى بعث منهم رسل كثيرة لم يبعثهم من‬ ‫أمة غيرهم ففضلوا لهذا النوع من التفضيل على سائر المم وَاتّقُوا أيها اليهود إن لم‬ ‫تؤمنوا يوْما ل تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا وَل يُقْبلُ بالتأنيث على قراءة ابن كثير وأبي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عمرو وبالتذكير على قراءة الباقين مِنْها شَفاعَةٌ وَل يؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فداء وَل هُمْ‬ ‫ُ‬ ‫يُنْصَرُونَ )84( أي يمنعون من عذاب اللّه تعالى ومعنى الية أن يوم القيامة ل تنوب‬ ‫نفس عن نفس شيئا ول تحمل عنها شيئا مما أصابها بل يفر المرء فيه من أخيه وأمه‬ ‫وأبيه ، ومعنى هذه النيابة أن طاعة المطيع ل تقضي عن العاصي ما كان واجبا عليه‬ ‫. وَإِذْ نَجّيْناكُمْ وقرئ »أنجيناكم« و»نجيتكم« ف »إذا« في موضع نصب عطفا على‬ ‫نعمتي عطف تفصيل على مجمل ، وكذلك الظروف التية في الكلم المتعلق ببني‬ ‫إسرائيل وينقضي عند قوله تعالى : »سَيَقُولُ السّفَهاءُ والخطاب للموجودين في زمن‬ ‫نبينا. تذكيرا لهم بما أنعم اللّه على آبائهم لن إنجاء الباء سبب في وجود البناء«.‬ ‫والمعنى ويا بني إسرائيل اذكروا إذ نجينا آباءكم مِنْ آلِ فِرْعوْنَ أي أتباعه وأهل دينه‬ ‫َ‬ ‫وعمر فرعون أكثر من أربعمائة سنة - وهو الوليد بن مصعب بن ريان - يَسُومُونَكُمْ‬ ‫سُوءَ العَذابِ أي يطلبون لكم أشد العذاب. ثم بيّن اللّه ذلك بقوله : يُذَبّحُونَ أَبْناءَكُمْ‬ ‫ْ‬ ‫صغارا.‬ ‫وقرئ »يذبحون« بالتخفيف. وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يتركونهن أحياء صغارا. ويقال :‬
  • 19. ‫91‬ ‫يستخدمونهن كبارا ، وذلك أن فرعون رأى في منامه نارا أقبلت من بيت المقدس حتى‬ ‫أحاطت‬ ‫ج 1 ، ص : 02‬ ‫ببيوت مصر وأحرقت كل قبطي ، وتركت بني إسرائيل ، فدعا فرعون الكهنة وسألهم‬ ‫عن ذلك.‬ ‫فقالوا : يولد في بني إسرائيل ولد يكون هلك القبط وزوال ملكك على يده. فأمر‬ ‫فرعون بقتل كل غلم يولد في بني إسرائيل حتى قتل من أولدهم اثني عشر ألف‬ ‫صبي. وَفِي ذلِكُمْ بَلءٌ منْ رَبّكُمْ عَظِيمٌ )94( والبلء هاهنا هو المحنة إن أشير بلفظ‬ ‫ِ‬ ‫ذلكم إلى صنع فرعون والنعمة إن أشير به إلى النجاء وحمل البلء على النعمة‬ ‫أحسن ، لنها هي التي صدرت من اللّه تعالى ، ولن موضع الحجة على اليهود إنعام‬ ‫اللّه تعالى على أسلفهم ، ثم إن كون استبقاء نسائهم على الحياة محنة مع أنه ترك‬ ‫للعذاب لما أن ذلك كان للستعمال في العمال الشاقة وكان سببا لنقطاع النسل‬ ‫ولفساد أمر معيشتهن. وَإِذْ فَرقْنا بِكُمُ البَحْرَ أي واذكروا إذ فلقناه بسببكم أي لجل أن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يتيسر لكم سلوكه فَأَنْجَيْناكُمْ من الغرق بإخراجكم إلى الساحل وَأَغْرقْنا آلَ فِرْعوْنَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ )05( التطام أمواج البحر بفرعون وقومه وترون بعد ثلثة أيام جثثهم‬ ‫التي قذفها البحر إلى الساحل وفرعون معهم طافين.‬ ‫روي أنه تعالى أمر موسى عليه السلم أن يسري ببني إسرائيل ، وكانوا اثني عشر‬ ‫سبطا ، كل سبط خمسون ألفا فلما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون. فقال :‬ ‫ل تتبعوهم حتى يصيح الديك ، ثم اجتمع إلى فرعون ألف ألف ومائتا ألف ، كل واحد‬ ‫منهم على فرس فتبعوا موسى وقومه نهارا ، وصادفوهم على شاطئ البحر ، فضرب‬ ‫موسى بعصاه البحر فانشق البحر اثني عشر جبل في كل واحد منها طريق فكان فيه‬ ‫وحل ، فهبت الصبا فجف البحر حتى صار طريقا يابسا ، فأخذ كل سبط منهم طريقا‬ ‫ودخلوا فيه فقالوا لموسى : إنّ بعضنا ل يرى صاحبه فضرب موسى عصاه على البحر‬ ‫فصار بين الطرق منافذ ، وكوى فرأى بعضهم بعضا فلما وصل فرعون شاطئ البحر‬ ‫رأى إبليس واقفا فنهاه عن الدخول ، فجاء جبريل على حجرة ، فتقدم فرعون وهو‬ ‫على فحل ، فتبعها فرس فرعون فلما دخل فرعون البحر صاح ميكائيل بهم من خلفهم‬
  • 20. ‫02‬ ‫وهو على فرس فقال : ألحقوا آخركم بأولكم. فلما دخلوا البحر ولم يبق واحد منهم‬ ‫التطم البحر عليهم وأغرقهم أجمعين وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ ، وهو بحر‬ ‫القلزم طرف من بحر فارس. وقيل : كان ذلك اليوم يوم عاشوراء فصام موسى عليه‬ ‫وَإِذْ واعَدْنا مُوسى .‬ ‫السلم ذلك اليوم شكرا للّه تعالى‬ ‫قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير ألف في هذه السورة وفي العراف وطه. وقرأ الباقون‬ ‫باللف في المواضع الثلثة. أَرْبَعِينَ ليْلَةً بإعطاء الكتاب ثُمّ اتّخَذْتُمُ الْعِجلَ أي عبدتم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫العجل المسمى »بهموت«. منْ بَعْدِهِ أي بعد انطلقه إلى الجبل وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ )15(‬ ‫ِ‬ ‫أي ضارون لنفسكم.‬ ‫قيل : وعد موسى عليه السلم بني إسرائيل وهو بمصر أن أهلك اللّه عدوهم أتاهم‬ ‫بكتاب‬ ‫ج 1 ، ص : 12‬ ‫من عند اللّه تعالى فيه بيان ما يأتون وما يذرون ، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه‬ ‫الكتاب ، فأمره أن يجيء إلى الطور ويصوم‬ ‫ذلك ثُمّ أَنْتُمْ هؤُلءِ أي هؤلء الحاضرون بعد ذلك تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ أي يقتل بعضكم‬ ‫بعضا وَتُخْرِجُونَ فَرِيقا مِنْكُمْ منْ دِيارِهِمْ أي من منازلهم ذلك الفريق تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ.‬ ‫ِ‬ ‫قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء. والباقون بالتشديد أي يعاون بعضكم‬ ‫بعضا بِالِثْمِ أي المعصية وَالعُدْوانِ أي التجاوز في الظلم وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى أي أسارى‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أهل دينكم تُفادُوهُمْ بالمال أو غيره. أي وإن يقع ذلك الفريق الذي تخرجونه من دياره‬ ‫وقت الحرب حال كونه أسيرا في يد حلفائكم تفدوه. قرأ حمزة »أسرى« بفتح الهمزة‬ ‫وسكون السين مع المالة. وقرأ عاصم والكسائي »تفادوهم« بضم التاء وفتح الفاء.‬ ‫والباقون بفتح التاء وسكون الفاء. وَهوَ أي الشأن محَرّمٌ عَليْكُمْ إِخْراجُهُمْ.‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال السدي : إن اللّه تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة الميثاق أن ل يقتل‬ ‫بعضهم بعضا ول يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني‬ ‫إسرائيل فاشتروه وأعتقوه.‬ ‫وكان قريظة والنضير أخوين كالوس والخزرج ، فافترقوا فكانت قريظة حلفاء الوس ،‬ ‫والنضير حلفاء الخزرج حين كان بينهما ما كان من العداوة ، فكان كل فريق يقاتل مع‬
  • 21. ‫12‬ ‫حلفائه فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها ، ثم إذا أسر رجل من الفريقين فدوه‬ ‫كما لو أسر واحد من النضير ووقع في يد الوس افتدته قريظة منهم بالمال ، وهكذا‬ ‫يقال في عكس ذلك فعيّرتهم العرب وقالت : كيف تقاتلونهم ثم تفدوهم. فيقولون :‬ ‫أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكن نستحي أن تذل حلفاؤنا فذمهم اللّه تعالى‬ ‫بقوله : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتابِ أي تفعلون بعض الواجبات وهو المفاداة وَتَكْفُرُونَ‬ ‫ْ‬ ‫بِبَعْضٍ أي فلم تتركوا المحرم وهو القتال والخراج والمعاونة فَما جَزاءُ منْ يَفعَلُ ذلِكَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مِنْكُمْ إ ِل خِزْيٌ أي ذمّ عظيم وتحقير بالغ فِي الْحَياةِ الدّنْيا فكان خزي قريظة القتل‬ ‫ّ‬ ‫والسبي وقد قتل صلّى اللّه عليه وسلّم منهم سبعمائة في يوم واحد ، وخزي بني‬ ‫)12/1(‬ ‫صفحات فارغة‬ ‫النضير بالجلء إلى أذرعات وأريحا. وقيل : هو ضرب الجزية على النضير في الشام‬ ‫وعلى من بقي من قريظة الذين سكنوا خيبر. وَيَوْمَ القِيامَةِ يُردّونَ إِلى أَشَدّ الْعَذابِ أي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عذاب جهنم لما أن معصيتهم أشد المعاصي وَمَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ )58(.‬ ‫قرأ ابن كثير ونافع وعاصم بتاء الخطاب في »يعملون« وأما في »يردون« فالسبعة‬ ‫بالغيبة فقط وأما بتاء الخطاب فشاذة وهذه الجملة زجر عظيم عن المعصية وبشارة‬ ‫عظيمة على الطاعة.‬ ‫أُولئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدّنْيا أي استبدلوها بِالخِرَةِ بأن اختاروا الكفر على اليمان‬ ‫ْ‬ ‫فَل يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ل بالنقطاع ول بالقلة في كل وقت أو في بعض الوقات وَل‬ ‫هُمْ يُنْصرُونَ )68( فل يدفع أحد هذا العذاب عنهم. وَلَقَدْ آتَيْنا أي أعطينا مُوسَى الْكِتابَ‬ ‫َ‬ ‫أي التوراة وَقَفّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرّسُلِ أي أتبعناهم إياه مترتبين وهم يوشع وشمويل ،‬ ‫وشمعون ، وداود ، وسليمان ، وشعيا وأرميا ، وعزير ، وحزقيل ، والياس ، واليسع ،‬ ‫ويونس ، وزكريا ، ويحيى وغيرهم وجميع النبياء بين موسى وعيسى على شريعة‬ ‫موسى. قيل : هم سبعون ألفا.‬ ‫وقيل : أربعة آلف ، ومدة ما بينهما ألف وتسعمائة سنة وخمسة وعشرون سنة وَآتَيْنا‬ ‫عِيسَى ابْنَ مرْيَمَ الْبَيّناتِ أي المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الكمه - سواء كان كمهه‬ ‫َ‬
  • 22. ‫22‬ ‫خلقيا أو طارئا - وإبراء البرص ، وكالخبار بالمغيبات ، وكالنجيل. ثم عيسى بالسريانية‬ ‫أيشوع ومعناه :‬ ‫المبارك. ومريم بالسريانية بمعنى الخادم. وفي كتاب لسان العرب : هي المرأة التي‬ ‫تكره مخالطة الرجال. وَأَيّدْناهُ قرأه ابن كثير بمد الهمزة وتخفيف الياء أي قويناه بِرُوحِ‬ ‫الْقُدُسِ وهو جبريل وهو الذي بشر مريم بولدتها وإنما ولد عيسى عليه السلم من‬ ‫نفخة جبريل وهو الذي رباه في جميع الحوال وكان يسير معه حيث سار ، وكان معه‬ ‫حين صعد إلى السماء. أَفَكُلّما جاءَكُمْ يا معشر اليهود رَسُولٌ بِما ل تَهْوى أَنْفُسُكُمُ أي‬ ‫بما ل يوافق قلوبكم من الحق اسْتَكْبرْتُمْ أي تعظمتم عن اليمان به والتباع له فَفَرِيقا‬ ‫َ‬ ‫كَذّبْتُمْ وفَرِيقا تَقْتُلُونَ )78( أي كذّبت طائفة محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم ، وعيسى عليه‬ ‫َ‬ ‫السلم ، وقتل فريق يحيى وزكريا وَقالُوا أي اليهود : قُلُوبُنا غُلْفٌ أي مغشاة بأغطية عن‬ ‫قولك يا محمد ، أو قلوبنا أوعية لكل علم وهي ل تعي علمك وكلمك بَلْ لَعنَهُمُ اللّهُ‬ ‫َ‬ ‫بِكُفْرِهِمْ أي ليس عدم قبولهم للحق لخلل في قلوبهم ولكن اللّه أبعدهم عن رحمته‬ ‫بسبب كفرهم فأبطل استعدادهم عن القبول فَقَلِيل ما يُؤْمِنُونَ )88( أي ل يؤمنون إل‬ ‫ً‬ ‫بالقليل مما كلفوا به لنهم كانوا يؤمنون باللّه ، إل أنهم كانوا يكفرون بالرسل.‬ ‫وقال قتادة والصم وأبو مسلم : أي ل يؤمن منهم إل القليل وذلك نظير قوله تعالى :‬ ‫بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها بِكُفرِهِمْ فَل يُؤْمِنُونَ إ ِل قَلِيل ]النساء : 551[ وَلَمّا جاءَهُمْ أي اليهود‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫المعاصرين له صلّى اللّه عليه وسلّم كِتابٌ منْ عِنْدِ اللّهِ وهو القرآن مُصَدّقٌ لِما مَعَهُمْ‬ ‫ِ‬ ‫أي موافق لكتابهم التوراة بالتوحيد‬ ‫ج 1 ، ص : 23‬ ‫وصفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كذبوه وَكانُوا أي اليهود مِنْ قَبلُ أي من قبل مبعث‬ ‫ْ‬ ‫محمد ونزول القرآن يَسْتَفْتِحُونَ أي يسألون الفتح أي النصرة علَى الّذِينَ كَفَرُوا أي‬ ‫َ‬ ‫مشركي العرب أسد وغطفان ومزينة وجهينة وهم عدوهم يقولون : إذا دهمهم عدو :‬ ‫اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المي. فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرفُوا من بعثة النبي صلّى اللّه‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلّم كَفَرُوا بِهِ حسدا وخوفا على الرياسة. وقال ابن عباس وقتادة والسدي :‬ ‫نزلت هذه الية في شأن نبي قريظة والنضير ، كانوا يستفتحون على الوس والخزرج‬ ‫برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل بعثه يقولون لمخالفيهم عند القتال : هذا نبي قد‬
  • 23. ‫32‬ ‫قرب زمانه ينصرنا عليكم فَلعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافرِينَ )98( أي إبعاد اللّه من خيرات‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الخرة عليهم بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ أي بئس الشيء شيئا‬ ‫ُ‬ ‫اشتروا به أنفسهم ، كفرهم بالقرآن المصدق للتوراة ، أي إن هؤلء اليهود لما اعتقدوا‬ ‫أنهم بما فعلوه خلصوا أنفسهم من العقاب وأوصلوها إلى الثواب فقد اشتروا أنفسهم‬ ‫به في زعمهم.‬ ‫وقال الكثرون : الشتراء هاهنا بمعنى البيع لن المذموم ل يكون إل لما كان حاصل‬ ‫لهم ، ل لما كان زائل عنهم ، والمعنى باعوا أنفسهم بكفرهم ، لن الذي حصلوه على‬ ‫منافع أنفسهم هو الكفر فصاروا بائعين أنفسهم بذلك ، لكن لما كان الغرض بالبيع‬ ‫والشراء إبدال ملك بملك ، صلح أن يوصف كل واحد من المتبادلين بأنه بائع ومشتر‬ ‫لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما. بغْيا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ منْ فَضْلِهِ عَلى منْ يَشاءُ منْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عِبادِهِ أي حسدا على أن ينزل اللّه النبوة بفضله على محمد وطلبا لما ليس لهم أي‬ ‫فإنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم بالنبوة المنتظرة يحصل في قومهم ، فلما وجدوه‬ ‫في العرب حملهم ذلك على الحسد ، وقد أجاز العلماء أن يكون بغيا مفعول له ناصبه‬ ‫»أن يكفروا« ، وأن ينزل اللّه مفعول له وناصبه »بغيا« ، فَباؤُ بِغضَبٍ عَلى غَضَبٍ أي‬ ‫َ‬ ‫فاستحقوا لعنة بعد لعنة لمور صدرت عنهم وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مهِينٌ )09( أي يهانون‬ ‫ُ‬ ‫بالعذاب الشديد بخلف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه‬ ‫وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي وإذا قال المؤمنون لليهود الموجودين في زمن نبينا : آمِنُوا بِما أَنْزَلَ‬ ‫اللّهُ أي بكل ما أنزل اللّه من الكتب اللهية جميعا قالُوا في جواب هذا القيل : نؤْمِنُ بِما‬ ‫ُ‬ ‫أُنْزِلَ عَلَيْنا أي بما أنزل على أنبيائنا من التوراة وكتب سائر النبياء الذين أتوا بتقرير شرع‬ ‫موسى عليه السلم وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ فأخبر اللّه تعالى عنهم بأنهم يكفرون بما بعده‬ ‫وهو النجيل والقرآن وَهوَ أي ما وراء ما أنزل على نبيهم من النجيل والقرآن الْحَقّ‬ ‫ُ‬ ‫مُصَدّقا لِما معَهُمْ أي موافقا بالتوحيد لكتبهم قُلْ لهم يا أشرف الخلق إلزاما وبيانا‬ ‫َ‬ ‫لكفرهم بالتوراة التي ادعوا اليمان بها فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ مِنْ قَبلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‬ ‫ْ‬ ‫)19( والمعنى إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما زعمتهم فلي شيء كنتم تقتلون أنبياء اللّه‬ ‫من قبل لن في التوراة تحريم القتل وذلك لن التوراة دلّت على أن المعجزة تدل على‬ ‫الصدق ، ودلّت على أن من كان صادقا في ادعاء النبوة فإن قتله كفر ، وإذا كان المر‬ ‫كذلك كان السعي في قتل‬