1. بقلم عزالدين مبارك وانتصرت ثورة الشعب أخيرا
وأخيرا انتصرت ثورة الشعب واستجابت القدار مثلما عبر عنه شاعرنا الفذ أبو القاسم
الشابي :
فل بد أن يستجيب القدر إذا الشعب يوما أراد الحياة
في لحظة تاريخية ظن الكثيرون أن قبضة بن علي وحاشيته ل تقهر متناسين أن الطغيان
والقهر والظلم بلغ حدا ل يطاق وأنه آن الوان أن ينكسر القيد وتطلق الحريات ويندحر
التسلط وتتلشى الدكتاتورية ومظاهرها المفسدة للمجتمع وللقيم ومكممة للفواه ومكبلة
للحريات وها ما تحقق اليوم بفضل ثورة الشباب المتسلحة بالتحدي والمعرفة التكنولوجية
والتي لم تلوثها حسابات السياسة والجدل العقيم والخوف من الصنام المحنطة.
لقد تجبر النظام إلى حد أصبح التبجح السمة الطاغية للحاشية الفاسدة فأصبحت البلد مرتعا
و‘عزبة‘ لصحاب النفوذ فعبثوا بكل مقدرات العباد والوطن وفتكوا بالزرع والضرع
وداسوا رقاب الشعب بل رحمة.
وكان القدر يغلي والطغيان يتصاعد ويتفاقم من يوم لخر وقد أعمت الديكتاتورية البصيرة
وجهل صيرورة التاريخ مع ضعف المستوى الفكري والحس الوطني بحيث لم يتحسس أحد
من عصابة النظام المخلوع أن تحت الرماد اللهيب.
فلم يقدر المتابعون للشأن التونسي أن الشباب سينتفض ويتجاوز الباء والجداد والمناضلين
الشرفاء وهكذا كانت المفاجأة كبيرة وذات معنى إلى حد أن الحزاب والدول الكبيرة بقيت
إلى آخر لحظة غير مصدقة لما وقع بالفعل ولم تعط قيمة ومعنى لقدرة شباب تونس أن
يتحدى نظام البطش وهو أعزل.
والشرارة كانت من بلد ‘الهمامة‘ حيث الفقر والخصاصة والظلم والقهر يعم الربوع
ويتمظهر في أشد حالته قسوة. فهذه المناطق وغيرها ولمدة طويلة أصبحت متروكة لحالها
وقدرها وكأنها غي تابعة لجمهورية تونس.
1
2. وكان الشهيد محمد البوعزيزي الصاعق الذي فجر الهبة الجماهيرية التي قضت على
دكتاتورية الخوف في رمشة عين وفر الطاغية مذعورا في ظلمة الليل وترك البلد عرضة
للخطر وللنهب والسلب والعصابات وكأنه أراد النتقام من شعب تونس.
إنه لم يصدق يوما واحدا طيلة حكمه البغيض بأنه رئيس بلد عريقة وتاريخها ضارب في
القدم والحضارة وهو الذي لم يستطع التفوه بكلمة واحدة مرتجلة طيلة ٣٢ سنة ويحتقر
المثقفين والمبدعين ويبجل ذوي العاهات الفكرية ويقدس أصحاب النفوس المريضة
والمنبطحين والدجالين والمفلسين والناعقين.
وترك لعائلته وحاشيته العنان لتنهب وتسرق وتأتي على الخضر واليابس فتنمو الديدان
لتعيث في الرض فسادا فعم البؤس والشقاء ظانين أن الشعب جسد ميت وتونس صحراء
قاحلة بال روح.
وهكذا اندلعت الثورة من مكانها الصيل في أرض ‘الهمامة‘ فتلقفها شباب تونس في شتى
الربوع وانطلق المارد من قمقمه ناشدا الحرية والنعتاق وتحدي امبراطورية الخوف والجبن
و‘البوليس‘ والمرتزقة والعسس. فلم تعد حيلة المصفقين والدجل والمنافقين تنفع وتوقف
صيرورة الثورة.
وبعد أن سقط البوعزيزي محترقا ولم يقبل القهر والظلم أصبحت صرخته نشيدا للثوار
واشتعلت الثورة متحدية القمع والرصاص وسالت الدماء وقودا ودافعا للمضي قدما حتى
النهاية.
وهكذا انتهى بالطاغية إلى الهروب وترك السفينة تغرق معبرا عن جبن ل مثيل له وهو
الجنرال الذي هرب من المعركة خائفا مهزوما.
الطاغية ورأس انظام اندحر بدون رجعة وبقيت أذنابه كالخفافيش تعشش في الخرب تنتظر
الفرصة لتعطل الثورة وتعيدها إلى الوراء بقوالبها الجامدة وآلياتها المحنطة وخطاباتها
المهترئة، وهذا هو الخطر الحقيقي.
فكثير من الثورات أجهضت والتاريخ شاهد على ذلك ولهذا فإن ما بعد الثورة أخطر وأصعب
وأهم من انتصارها. فالمرحة القادمة جد هامة لتوجيه مسار الثورة الشبابية المجيدة نحو
2
3. أهدافها السامية والحقيقية والمتمثلة في الحرية والنعتاق ومحاسبة اللصوص وناهبي المال
العام وقاهري الشعب التونسي.
وحتى ل تغدر الثورة من أصحاب السوء والنفوس المريضة وتفرغها من مضمونها وتحيدها
عن أهدافها النبيلة ل بد من الحزاب السياسية المناضلة والشخصيات الديمقراطية والشباب
أن يفتكوا القرار من ثعابين السياسة وأهل الردة ول يتركوا للمنافقين والدجالين وبائعي
الوهام أن يتسللوا من جديد لمفاصل الثورة الوليدة ليهربوا بها إلى مكان آخر ووجهة أخرى
غير معلومة.
فالحذر كل الحذر من الحرباويين الذين يتلونون مع كل موقف ول تهمهم غير المغانم
والكراسي ومازالوا غير جادين وفاهمين مثل رئيس عصابتهم بأن الزمن تغير ونحن لسنا
قبل يوم ٤١ جانفي ١١٠٢.
فالمرحلة التي تأني بعد انتصار الثورة تكون دائما مليئة بالدسائس والعقبات ومحاولت
السطو واللصوصية والتلعب خاصة أن الشباب الذي ثار وانتصر لم يكن منتظما وله هياكل
وأطروحات وتصورات مستقبلية عملية وأن الهياكل الحالية للدولة مملوكة بالكامل للحزب
الحاكم الدستوري وهي التي تشرف عى كل الدواليب والمفاصل بعقلية تخلفية ل تترك مجال
للختلف والتنوع والحرية.
فالجهزة الحالية للدولة لم تعد قادرة على تقبل الشعارات الجديدة للثورة الشبابية الفوسبوكية
لنها تكلست وشاخت مثل صاحبها الفار والمخلوع إلى متاهات المنافي.
فل بد من المضي إلى تكوين حكومة جديدة متكونة من وجوه لم تعرف نفاق السلطة القديمة
وانبطاحاتها لصاب الصولجان وتنفيذ الوامر والتعليمات الفوقية دون نقاش ودراية، فل
يمكن لهؤلء تغيير جلودهم ونفي أنفسهم، فل سبيل لعودة الميت من قبره.
فالقائمون بالثورة هم الشباب وهم وحدهم أصحاب القرار وهم المحقون في اختيار من ينوبهم
في تكوين الحكومة الوقتية والنظر في الصلحات المزمع القيام بها في الفتلرة القادمة. فلماذا
تتهافت الحزاب على كراسي السلطة بدعوى أن الفراغ خطر على وجود الدولة فالكفاءات
الموجودة في جميع المصالح قادرة على التسيير وتلبية حاجيات المجتمع دون الحاجة لوجود
وزير وغيره.
3
4. فالمراوغة ومحاولة اللتفاف على مطالب الشباب هو الغدر بالثورة والتلعب بمصيرها
والمطلوب الن أخد رأي الشباب في كل خطوة ومرحلة وعليهم أن يكونوا بسرعة لجان
تمثل جميع أطياف الشباب والجهات والحساسيات بعيدا عن الحزاب الموجودة في انتظار
يعث ‘حزب الشباب التونسي‘ الذي يمثلهم في النتخابات المستقبلية.
فصوت الشباب الذي يهز الشارع والذي انتصر في ثورته وضحى بشهدائه ل يمكن له أن
يعطي للحزاب المتصارعة الن على كعكة السلطة وهذا هو ديدن الحزاب في جميع
العصور، صكا على بياض ويمهد لهم الطريق للصعود للسلطة هكذا مجانا وبدون ضمانات
واضحة.
فالتظاهر في الشارع ل يكفي أصحاب السلطة وهم جماهير الشباب لن الحزاب ركبت على
موجة النتصار ومنها من ساهم في الحداث بصفة خجولة ومنهم من بقي يشاهد الصراع
الدائر على الربوة ينتظر انجلء غبار المعركة. ولهذا كله فالشباب مدعو بصفة استعجالية
لتكوين خليا تفكير وممثلين لهم وتقديم اقتراحات عملية موضوعية وبلورة مشروع يمكنهم
من التصرف في مصيرهم حتى تحقيق مطالبهم التي ضحوا في سبيلها وأخذ نصيبهم من
الكعكة السياسية وذلك هو حكم المنطق.
فإذا ترك الشباب مصيره في غير قبضته فل يمكنه بأية حال من لحوال تحقيق أهدافه ما دام
مغيبا عن دهاليز السياسة والقرارات المصيرية.
فالتظاهر في الشارع لم يعد يكفي الن يا شباب البوعزيزي فعليكم التوجه إلى التنظم
والمشاركة في الحكومة المؤقتة وهذا ل يعتبر مزية من أحد لنكم أنتم من قمتم بالتضحية
والعدل كل العدل هو أن تفوزوا بالمقاعد المامية وهذا حقكم فل تتركوا العربة تهرب من
قيادتكم فتندمون ويضيع حقكم بعد فوات الوان.
4